المطبخ السوداني في القاهرة... تجربة فرضتها الحرب

02 يونيو 2024
يعدّ أكلات من المطبخ السوداني (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- السودانيون في القاهرة يفتتحون مطاعم تقدم الأكلات التقليدية السودانية والإثيوبية، مثل "قرية أولاد كوش"، لتقديم تجربة طعام أصيلة تجمع بين الثقافات وتناسب الذوق المصري.
- هذه المطاعم تعد ملاذاً للسودانيين الفارين من الحرب ووسيلة لتعريف المصريين بالثقافة السودانية، محاولةً جذبهم بتجربة ثقافية فريدة.
- على الرغم من الحنين للعودة إلى السودان، يرى البعض مثل الطاهي فادي مفيد أن البقاء في مصر يمثل خياراً أفضل للفرص الاقتصادية، بينما تحاول المطاعم إضفاء الروح السودانية على القاهرة.

بات المطبخ السوداني في القاهرة حاجة للسودانيين الذين فروا إلى مصر جراء الحرب، وقد أرادوا متابعة أعمالهم أو إنشاء أخرى جديدة على أمل انتهاء الحرب، وتعريف المصريين بأكلاتهم. وحقّقت السودانية جولي سمير حلمها بافتتاح مطعم للأكل السوداني، لكن ليس في الخرطوم حيث تتواصل الحرب الضارية، بل في القاهرة التي فرّت إليها مع أسرتها. اليوم أصبح هدفها جذب المصريين إلى المطبخ السوداني. ومنذ اندلاع الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 إبريل/ نيسان 2023، ازداد عدد المطاعم السودانية في القاهرة تدريجاً، في ظل أعداد السودانيين الكبيرة التي وصلت إلى مصر.

غادرت سمير (42 عاماً) مع أسرتها إلى مصر من مدينة بحري شمال العاصمة السودانية، بعد أسبوع من اندلاع المعارك. وفي شرق القاهرة، جلست أمام طاولة وسط ساحة خضراء في أحد الأندية المصرية الشهيرة، على مقربة من لافتة مطعمها الذي يحمل اسم "قرية أولاد كوش" للأكلات الشرقية والسودانية والحبشية. وتقول: "اسم المطعم من اختيار الوالد. وأرض كوش في الكتاب المقدس هي مصر والسودان وإثيوبيا، ونحن نقدّم أطباقاً من هذه البلدان الثلاثة". تتابع: "لا أستهدف الزبون السوداني، بل المصري، حتى يتعرّف إلى الثقافة السودانية". وساعد سمير على افتتاح مطعمها طاهٍ سوداني كان يعمل في هذا المجال في السودان، قبل أن يفرّ إلى مصر. وتقول سمير: "جميع العاملين هنا من السودان، وقد هربوا من الحرب"، مشيرة إلى أنه تمكن بعضهم من التواصل مع بعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وأدت الحرب إلى مقتل الآلاف، بينهم ما يصل إلى 15 ألف شخص في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، بحسب خبراء الأمم المتحدة. كذلك دفعت الحرب البلاد البالغ عدد سكانها 48 مليون نسمة إلى حافة المجاعة، ودمّرت البنى التحتية المتهالكة أصلاً، وشرّدت أكثر من 8.5 ملايين شخص، بحسب الأمم المتحدة، من بينهم 500 ألف شخص فرّوا إلى مصر.

أغاشي ولقيمات

داخل مطبخ المطعم الذي كان يشغل صالته بعض الزبائن، وقف الطاهي فادي مفيد بمئزره الأخضر وسط الأواني يحضّر الوجبات. ويقول: "الأغاشي أشهر الأكلات السودانية". فيما يتابع مفيد (46 عاماً)، قائلاً إن الأغاشي عبارة عن شرائح من اللحم أو الدجاج أو السمك، تضاف إليها البهارات السودانية الحارة، وتُشوى على نار هادئة. كان مفيد يمتلك شركة متخصصة في تقديم خدمات الطعام والفندقية في السودان، قبل أن تُدمّرها الحرب. ويقول: "المصريون لا يحبّون الأكل الحار، لذلك نحاول تقليل البهارات السودانية حتى يتقبّلوه".

ويقدّم المطعم، بحسب مفيد، "الأكلات الحبشية الشائعة في السودان مثل الزغني، وهي لحم مُبهّر على الطريقة الإثيوبية مع الإنجرا"، وهو خبز إثيوبي أقرب إلى الفطائر. ويرى أن المنافسة في مصر في مجال المطاعم ليست سهلة. "هناك مطاعم سورية ومصرية ضخمة، لذا قد نأخذ بعض الوقت لننافس".

مصر (خالد دسوقي/ فرانس برس)
حان وقت تجربة المأكولات السودانية (خالد دسوقي/ فرانس برس)

وتوضح سمير أنها كانت توزع عيّنات من الطعام أمام المطعم بعد افتتاحه على أعضاء النادي المصريين للترويج للأطباق السودانية. وردّاً على سؤال عن رأيه في الطعام السوداني، يقول المصري خالد عبد الرحمن (50 عاماً): "أحببت مذاق البهارات وطراوة اللحم وهذه الطريقة المميزة في الطهو".

وتنتشر المطاعم السودانية بشكل خاص في حيّ فيصل في غرب القاهرة الذي شهد افتتاح عدد من محال الأكل باختلاف أصنافها بين الأغاشي والمشويات والفول المدمس والفلافل. وفي حيّ الشيخ زايد في غرب العاصمة المصرية، افتتح حديثاً محل "جيب معاك" الذي يقدّم الحلوى السودانية الشهيرة "اللقيمات"، مع المشروبات السودانية الساخنة، وأبرزها الشاي المقنّن الذي يشبه في طريقة تحضيره شاي الكرك بالحليب.

واللقيمات التي تشبه الزلابية المصرية عبارة عن كرات من العجين تُقلى بالزيت ويضاف إليها السكر والشوكولاتة والعديد من النكهات. وتمتلك سلسلة "جيب معاك" أكثر من فرع في العاصمة السودانية والولايات، إلا أنها "تعطّلت نظراً لظروف الحرب في البلاد"، بحسب ما يقول مدير فرع الشيخ زايد قصي بيرم (29 عاماً). يتابع: "أحببنا فكرة مشاركة علامتنا التجارية مع المصريين وافتتحنا ثلاثة فروع". ويؤكد المشرف على المحل الشاب السوداني زياد عبد الحليم أن "اللقيمات تختلف عن الزلابية المصرية في نسبة الملح في العجين. في السودان، نحبّ الملح الزائد في عجائن الحلوى".

حنين إلى السودان

واستبعد مفيد العودة إلى السودان حتى في حال استقرار الأوضاع. ويقول: "أنوي استكمال تجربتي في مصر. حتى إذا استقرّت الأوضاع في السودان، فستكون فرص العمل صعبة للغاية". أما سمير، فلم تكن تتوقع أن تطول فترة إقامتها في القاهرة على الرغم من طريقة الخروج "المرعبة" من البلاد. وتقول: "وضعنا في رأسنا أننا سنقضي عطلة في مصر لمدة شهر على الأكثر وتنتهي الأمور. لكن الحرب لم تتوقف". وعلى الرغم من ذلك، تعتزم سمير العودة إلى الخرطوم بمجرّد استقرار الوضع العام في البلاد، مدفوعة بـ"الحنين إلى السودان". تضيف: "بلدنا حنون علينا مهما سافرنا". وفي انتظار ذلك، تسعى لإضفاء الروح السودانية على مطعمها. "أنوي توظيف حنّانة (سيدة ترسم بالحنّة على الجسم)، فأنا أعرف مدى حبّ المصريين لرسوم الحنّة". 

(فرانس برس)

المساهمون