تشهد الجزائر ارتفاعاً في نسب حوادث الغرق في المسطحات المائية والسدود في ظل عدم تطبيق معايير السلامة وحاجة الأطفال والشباب إلى السباحة وخصوصاً في فصل الصيف.
لم تكن الليلة الأخيرة من شهر مايو/ أيار الماضي عادية بالنسبة لسكان منطقة بني مويمن في بلدية العفرون التابعة لولاية البليدة الواقعة قرب العاصمة الجزائر، إذ صدمتهم فاجعة وفاة طفلين غرقاً في بركة مياه، فيما نجا شقيقهم الثالث. وتتكرر حوادث مماثلة في مختلف المحافظات وخصوصاً في فصل الصيف. اعتاد عصام (12 عاماً)، وأسامة (8 أعوام)، على مرافقة أصدقائهما أو والدهما مساء للتنزه في المزارع والبساتين في محيط قرية بني مويمن على مقربة من جامعة العفرون. لكن في 29 مايو/ أيار الماضي، قرر الصبيان السباحة في الوادي المحاذي للجامعة، وهو عبارة عن قناة تابعة لسد المستقبل بسبب ارتفاع درجات الحرارة. إلا أن أسامة عجز عن الخروج من المياه بسبب كثرة الأوحال، الأمر الذي دفع عصام إلى القفز في المياه في محاولة لإنقاذ شقيقه فغرقا معاً. وعاد شقيقهما الثالث الذي يبلغ ست سنوات من العمر إلى البيت من دون أن يتمكن من الكلام عما حدث، لتنطلق حملة بحث عن الطفلين إلى أن وجدت مصالح الحماية المدنية جثتيهما في ساعة متأخرة من الليل بعد ثلاث ساعات من البحث. وكانت هذه الحادثة بمثابة فاجعة في المنطقة.
حوادث بالجملة
وتتكرر مثل هذه الحوادث في المناطق الداخلية والمعزولة في الجزائر. وتعد المسابح والأماكن الترفيهية الخاصة بالأطفال قليلة كما أنها بعيدة عن الساحل الجزائري، الأمر الذي يدفع الأطفال للجوء إلى البرك والمسطحات المائية والسدود. يشار إلى أنه غالباً ما ينشئ الفلاحون البرك المائية لاستعمالها في السقي. وأخيراً، انتشلت جثة طفل من حوض مائي مخصص للسقي في مدينة تيارت، غربي البلاد، كما غرق طفلان في بركة مياه في بلدية بوعاطي محمود في ولاية قالمة، شرقي البلاد. وشهدت قرية أولاد قاسم ببلدية سدراتة في ولاية سوق أهراس حادثة مماثلة بعدما غرق طفل يبلغ من العمر 16 سنة في بركة مائية مخصصة للسقي. كما توفي طفلان غرقاً في حوض مائي بمحاذاة أحد سدود الجزائر الشهيرة (سد قدارة)، في محافظة بومرداس، قرب العاصمة الجزائرية. ومن أكثر القصص المأساوية غرق ثلاثة أشقاء، هم مراد ومنار وإيناس في بركة مائية يمكلها أحد المزارعين لم تكن مسيجة في بلدية عين الزرقاء في ولاية تبسة الحدودية مع تونس.
مخاوف متزايدة
ومع اقتراب فصل الصيف تزداد المخاوف من ارتفاع نسبة الضحايا بسبب الغرق في البرك. وفي محاولة للحد من هذه الحوادث المؤلمة، يطالب المعنيون بضرورة إلزام المزارعين بتسييج البرك والأحواض المائية التي ينشئونها للسقي، منعاً لوصول الأطفال إليها والسباحة فيها، وتطبيق القوانين بشكل صارم. وتقول رئيسة جمعية أميرة لقضايا الأسرة والطفولة آسيا شيباني إن "هناك ضرورة لتدخل السلطات ومصالح الدرك الوطني بهدف إجبار المزارعين على تسييج البرك المائية والسدود التي ينشئونها، بالإضافة إلى إغلاق المستنقعات حتى لا يقصدها الشباب، ومعاقبة الأشخاص الذين لا يخضعون للقانون، وخصوصاً في هذا الفصل الذي يشهد ارتفاعاً في نسبة حوادث الغرق، "ووضع برنامج وطني خاص في مناطق الظل والمحافظات الداخلية والصحراوية من أجل إنشاء مسابح وأماكن ترفيهية للأطفال على غرار محافظات الشمال والمناطق الساحلية".
عشرات حالات الغرق
وتشهد البلاد أكثر من 70 حالة غرق في البرك المائية وخصوصاً بين شهري يونيو/ حزيران وأغسطس/ آب من كل عام، الأمر الذي دفع السلطات إلى إطلاق حملات دعائية للتحذير من السباحة في المسطحات المائية والبرك والسدود. ويقول المتحدث باسم مديرية الدفاع المدني لمحافظة تيبازة محمد ميشاليخ، لـ"العربي الجديد": "هناك مجهود لتكثيف حملات التوعية سنوياً مع اقتراب فصل الصيف، وخصوصاً أن الكثير من الأطفال يقصدون البرك المائية، ما يؤدي الى تسجيل حوادث غرق. نعمل في الوقت الحالي على التنسيق مع مختلف الشركاء الاجتماعيين كالجمعيات ورؤساء الأحياء، وتحاول وسائل الإعلام تكثيف التوعية بهدف الحد من هذه الظاهرة، بالإضافة إلى تخصيص أرقام وخطوط هاتفية للمواطنين في هذه الأماكن للتواصل معها وإخطارها بأي حادثة تقع في وقتها، وخصوصاً في هذه الفترة".