المخاوف الأمنية تهدد الصحة النفسية لأطفال العراق

04 ديسمبر 2023
اللعب في الساحات المفتوحة يقوي النظام المناعي لدى الأطفال (أرشيف/Getty)
+ الخط -

فرض الوضع الأمني غير المستقر في المدن والمحافظات العراقية المختلفة، على العائلات العراقية نمطاً معيشياً معيناً سرعان ما انعكس سلباً على الأطفال على وجه التحديد، ويربط الأطباء بين تصاعد المشاكل النفسية للأطفال بالانعزال، وحرص الآباء على إبقاء أطفالهم داخل البيت كأحد الأسباب الرئيسة.

يزيد انعدام الملاعب ومناطق الألعاب للأطفال، في المدن الهشة أمنياً والتي تتصاعد فيها جرائم الخطف والابتزاز، المشكلة أكثر، ويلجأ عادة الأهل إلى الاستعانة بالأجهزة الإلكترونية اللوحية لتعويض وقت أطفالهم، والتخلص من إلحاحهم في الخروج واللعب.

يقول الدكتور وليد السعدي، وهو طبيب مختص بالصحة النفسية للأطفال، إن أرقاما تصاعدية تسجلها البلاد في نسبة الأطفال الذين يعانون من مشاكل نفسية تبدأ بالانعزال وطيف التوحد، مروراً بعدم القدرة على المواجهة أو إدارة حوار بسيط، وانتهاء بمسألة الانعزال والعصبية وعدم تعلم المشاركة، وحتى ضعف التركيز والعدوانية.

واعتبر السعدي خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "هاجس الأمن يعد السبب الأول الذي يدفع الأهالي إلى منع اختلاط أطفالهم مع الآخرين من أقرانهم ، خاصة في الحارات والأحياء التي تشهد أو تسجل حوادث إجرامية مع الأطفال، وفئة الإناث أكثر من الذكور بطبيعة الحال".

واضطرت عائلة الطفل آدم (7 سنوات) لتغيير مكان سكنها، بحثا عن مكان آمن يُمكنهم الاطمئنان عليه في حي من معارفهم وأقربائهم.

يقول والد آدم، لـ"العربي الجديد"، إنه اضطر لذلك لضمان عدم تدهور حالته النفسية، حيث أصبح غير قادر على الاستمتاع بألعابه داخل المنزل، ويبحث عن حديقة أو مكان للخروج، ويتعامل مع المنزل وكأنه سجن، "لذلك قررت الانتقال لمنطقة أكثر أمنا وفيها مكان مناسب لخروجه للعلب".

الباحثة الاجتماعية هدى ناطق، تقول إن على" الأهل السماح لأطفالهم باللعب بحرية وبالطريقة التي يريدونها، دون أي تدخل إلا إذا كان هناك خطر محتمل، إذ يجب أن يحصل الأطفال على وقت كافٍ للعب كل يوم حتى لا يشعروا بالملل أو الإحباط وذلك بتوفير بيئة آمنة لهم".

وتضيف: "من خلال عملي صادفت العديد من الحالات لأمهات يشتكين من أطفالهن وصراخهم الدائم داخل المنزل أو تمردهم، ومع الاستبيان يتضح أنهن لا يسمحن لهم بالخروج أو أنهم لا يخرجون إلا وقتا قليلا جدا، بسبب خوفهم على أبنائهم من مخاطر خارجية كالخطف أو العدوى من أطفال آخرين، أو الاعتداء، وهو ما يسبب تذمرا واضحا لدى الأطفال بالإضافة إلى تغير في حالتهم النفسية لأنهم بطبيعتهم يميلون إلى اللعب مع أقرانهم بجو يتسم بالحرية حتى وإن تغير نمط الحياة وأصبحت الألعاب الإكترونية شبه بديل للألعاب الحرة خارج المنزل".

وأكدت ناطق لـ"العربي الجديد"، وهي تعمل بمركز الاستماع والإرشاد النفسي في منظمة حواء للإغاثة والتنمية، أن أكثر من 80 بالمائة من الأطفال ممن يعانون مشكلات الأكثر شيوعا مثل اضطراب نقص التركيز وفرط الحركة، واضطراب طيف التوحد، ونوبات الغضب، والاكتئاب، تتحسن حالتهم الصحية والنفسية بعد أن يتم تناول تلك المشكلات في العلاج باللعب".

إلى ذلك، يشير الأخصائي في علم النفس عدنان محمود، لـ"العربي الجيد"، إلى أن من أهم فوائد اللعب في الساحات المفتوحة أو بالقرب من منازلهم أو الحدائق العامة أنه يجعل الأطفال يبذلون الكثير من الجهد وهذا ما يجعلهم يأكلون ويفكرون بشكل أفضل كما أن جسم الطفل يعتاد على النشاط ويصبح أكثر مرونة وتزيد لديه النظام المناعي بشكل ملحوظ.

ويضيف محمود، وهو بروفسور متقاعد، أن كل هذه الفوائد تجعل الطفل أكثر سعادة في حياته وتدفعه ليتطور بصورة أسرع ويتخطى العديد من العقبات، لأن الأماكن المفتوحة تجعل من شخصية الطفل أكثر قوة واتزانا وهذا ما يساعده على الاعتماد على نفسه في حال تعرض لأي شيء خارج المنزل.

وقال محمود إن "العديد من الدراسات لدينا تشير إلى أن نحو 70 بالمائة من الأطفال ممن يبلغون من العمر 4 إلى 14 عامًا يعانون من أمراض نفسية منها الخوف والتردد والعصبية والخجل بسبب الكبت وعدم السماح للأطفال بالخروج أو التعبير عن احتياجاتهم باللعب في المساحات المفتوحة ويجب عدم جعل الألعاب الإلكترونية بديلا عن اللعب في الخارج لأن الأطفال الذين يلعبون خارج المنزل أكثر نشاطا وذكاء وإبداعا وسعادة وصحة نفسية وجسدية"، مؤكدا ضرورة انضمام الأطفال في مرحلة ما إلى المعسكرات الصيفية التي تنظمها بعض المؤسسات المحلية، لأن هذه المخيمات تعزز مهارات الطفل الاجتماعية والقيادية وتمكنه من الاعتماد على نفسه وقدرته على التواصل مع الآخرين بصورة أفضل.

وكانت حكومة العراق أطلقت في مايو/أيار 2022 بالتعاون مع منظمة اليونيسف، الاستراتيجية الوطنية لتنمية الطفولة المبكرة، وتمثل الاستراتيجية نهجاً يعترف بالمراحل المختلفة في تنمية الطفل حتى سن الثامنة، ويُحمّل السلطات المعنية ومقدمي الخدمات والمجتمعات مسؤولية تأمين احتياجات الأطفال الصغار، وتعزيزها وحمايتها.

المساهمون