المتهم أربعون

22 فبراير 2021
مجرد هلوسة أربعين ترقص نارها ببطء (Getty)
+ الخط -

- هل عرفتَني؟
-- لست متأكداً، لكنّك من ماضيّ البعيد.
- صحيح، أنا عند منتصف ما أنتَ عليه الآن، ألا تتذكرني؟
-- لا أريد.
- لماذا؟
-- لأنّي اخترت ذلك.
- لم تجب عن سؤالي، فأن تختار فعل شيء، لا يعني بالضرورة أنّه السبب في فعله بل مجرد أداة لفعله، لماذا لا تريد أن تتذكرني.
-- لم تفهم ما أقول أساساً، ولا أريد مجادلتك، وأصرّ على ما قلت عندما تأكدت أنّك من ذلك الماضي، لا أريد أن أتذكرك لأّنّي اخترت ذلك.
- طيّب، لن أسألك إلّا عن أحلامي وآمالي، هل وصلت إليها.
-- وصلت إلى ما قُدّر لي أن أصل إليه، بعيداً عمّا تحسبه أحلامك وآمالك، فإن تمكنتُ من الاقتراب منها والوصول إليها، قد لا يعني هذا أنّ في الأمر إنجازاً ما جاء بعد تخطيط، بل ربّما وصلتُ ولم أنتبه لوصولي ذاك، فأنا لا أتذكر أساساً ماذا كنتَ تحمل من أحلام وآمال.
- هل هذا إقرار أنّك لم تسعَ إلى ما استأمنتكَ عليه!؟
-- لم تفهمني، ولن تفهمني، أكرّر. أولاً، لستُ أعلم شيئاً عن أحلامك وآمالك، وما أقررت به هو احتمال وصولي إليها من دون أن أنتبه أساساً، إذ لا أجد معنى لموعد مضروب بعد عشرين عاماً. أتحاكمني لأنّي لم أحقق ما هو لك أساساً ولا أؤمن به؟ فلماذا لم تحققها أنت نفسك؟

موقف
التحديثات الحية

- أنا من صنع الأحلام والآمال، أنجزتُ مهمتي تماماً، لكنّ تحقيقها كان على عاتقك.
-- ومن قال لكَ إنّ السنوات التي أعقبتك كانت ملكي؟ تلك سنواتك، ولم أحصّل منها غير آخر ثلاث سنوات بالكاد. تلك سنواتك التي بدّدتها سريعاً، وإن كان من أحد يحاكم الآخر فهو أنا لا أنت، لكنّي، في سنواتي الثلاث تلك، لا أؤمن بما حلمتَ وأملتَ، حتى إن تسنى لي تحقيقه من دون أن أنتبه له. هل تحسبني سأظهر للستين، إن حُكم علينا لقاء كهذا، وأحاكمه؟ قطعاً لا، لأنّي لا أحمل أحلاماً أو آمالاً، ولا أوهم نفسي أنّها صراط لحياتي، ولا أحمّله تلك المهمة "المقدسة". فإن حاسبني هو نفسه على ما لم أفعل - على العكس منّي أنا الذي لم أحاسبك ولم أستدعِكَ أساساً - لن يهمّني كثيراً، لأنّ كلّ واحدة من السنوات التي تفصلنا من الآن حتى وصوله في الشهر الثاني سنة 2041، بل كلّ يوم أيضاً سيكون هو اليوم، اليوم وحده ولن يكون غداً، وبالتأكيد لن يكون الأمس. أما أنت فاخترتُ ألّا أتذكرك لكلّ ما أنت عليه من آمال وأحلام، بل لكلّ ما أنت عليه من أمسٍ وماضٍ وتطلّع خيالي إلى مستقبل. فإذا كان فراقاً بيننا، ما أحلاه من فراق يأخذ معه أحلامك وآمالك وأوقاتك.
- إذاً، أحسبُه الوداع.
-- وأنا أحسبُها مجرد هلوسة أربعين.

المساهمون