"المتة" السورية... مشروب متوارث تحول إلى عادة يومية

10 يونيو 2023
خطوات تحضير "المتة" بسيطة (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

فور أن يستيقظ في الصباح الباكر، يملأ السوري سليمان عبد القادر إبريق الماء ويضعه على النار الهادئة حتى يعدّ كأس "المتّة" التي لا تكاد تفارقه طوال اليوم، فهو المشروب المفضّل لديه في كافة الظروف والأوقات. يبدأ عبد القادر تجهيز "المتة" التي يقول إنها تجعله يشعر بـ"منتهى الرواق"، وإنه ليس هناك وقت معين لديه لشربها، إذ يشربها في كل الأوقات، فعندما يكون منشغلاً بالعمل يشرب مرة أو مرتين، وعندما لا يكون لديه عمل يشرب 5 مرات في اليوم. لا يحبّ سليمان المقيم في ريف إدلب أن يضيف السكّر إلى مشروبه المفضل، ويخبر "العربي الجديد" أنه يفضّل أن يشربه "سادة" من دون أية إضافات، كما أن المستلزمات موجودة في السيارة دائماً، وحيث يذهب يمكنه تحضير المتة.

يعتبر حمزة بشير، المهجّر من ريف حمص الشمالي، نفسه من مدمني "المتة"، وهناك ظروف كثيرة جعلت هذا المشروب مفضلاً لدي الأهالي. يقول لـ"العربي الجديد": "في منطقتي قبل الثورة، كان المشروب الأكثر شيوعاً هو المتة، ومن الروتين اليومي أن يجتمع أفراد العائلة لشربه، ومع الطالب الذي يدرس أو من يشاهدون التلفزيون هناك المتة دائماً، رغم أنّ الشاي مشروب شائع عالمياً، فإنّ الإقبال على المتة كان أقوى بكثير". يتابع بشير: "في مراحل الدراسة المختلفة كانت رفيقة الطاولة، وصولاً إلى الجامعة".

بابا الفاتيكان يشرب "المتة" (فيليبو مونتيفورتي/ فرانس برس)
بابا الفاتيكان يشرب "المتة" (فيليبو مونتيفورتي/ فرانس برس)

طريقة تحضير "المتة" سهلة وبسيطة، فهي تعتمد على تسخين الماء لدرجة أقل من مرحلة الغليان التي تفسد المشروب، ويوضع ثلث أوراق المتة في الكأس، ومن بعدها "المصاصة" والسكر حسب الرغبة، ثم يضاف الماء البارد قبل الساخن لتحافظ على المشروب لفترة أطول، ويصب الماء بكميات قليلة.
وهناك الكثير من الأعشاب التي تضاف إلى المتة، ويبين بشير أن "البعض يفضل إضافة حبوب الهال، والبعض يفضل إضافة الزنجبيل، أو الزهورات، أو بذور الحبة السوداء، أو الشيح، وكلها تضاف حسب الرغبة، والبعض يفضل شرب المتة من دون محليات، وهناك من يفضل وضع ليمون في الإبريق، أو قرفة". وحول سبب تفضيل المتة على بقية المشروبات، يوضح: "قد يكون السبب هو بساطة التحضير مقارنة بغيرها، أو مرتبطاً بحالة الناس المعيشية، فضلاً عن كونها عادة متوارثة منذ عدة أجيال في العديد من المناطق السورية، وهي حالياً مشروب شائع في مناطق شمالي سورية. ويمكن للشخص أن يشرب فنجان قهوة، أو فنجانين، أو ثلاث كؤوس من الشاي خلال جلسة دراسة طويلة، بعدها سيشعر بالملل، ويبحث عن بديل، لكن بوجود المتة الأمر مختلف تماماً، إذ لا يشعر من يشربها بالملل أو الضجر، ولا يضطر إلى أن يغير المشروب، ويحدث ذلك في الصيف أو في الشتاء على السواء".

يشرب بعض السوريين "المتة" في مختلف الأوقات (العربي الجديد)
يشرب بعض السوريين "المتة" في مختلف الأوقات (العربي الجديد)

يفضل أسامة عبد الهادي المشروب لأسباب أخرى، ويبين لـ"العربي الجديد" أنه يعاني من مرض في المعدة منذ سنوات: "لفترة طويلة كنت محروماً من شرب أي شيء، خصوصاً القهوة والشاي، وبعض الأطباء نصحوني بشرب المتة، وكانت المشروب الوحيد الذي لا يسبب لي ضيق أو ألم، وحالياً لا يمكن أن يمر يوم من دون أن أشربها، وأفضل وضع الزنجبيل المجفف المطحون في الكأس، مع قليل من الزعتر البري، فهذا يضفي نكهة أفضل، وأضيف السكر للتحلية". يضيف عبد الهادي: "أعتقد أن الأمر متوارث، فحسب ما أعلم، أول من أدخل المشروب إلى سورية هم أهالي منطقة القلمون الغربي في محافظة ريف دمشق، ولديهم مجالس خاصة لشرب المتة، تضم الكؤوس والمصاصات المصنوعة من الفضة، والطاولات المجهزة بأماكن وضع السكّر، والمكسرات الحاضرة دائماً إلى جانب المتة، خاصة في فصل الشتاء، وربما اختلفت الظروف، ولم يعد هناك مكان لجلسات كهذه، لكن يظل المشروب حاضراً، ومتفوقاً على الشاي".

ويصنف مشروب المتّة الساخن ضمن فئة المنبهات، ويرجع أصله إلى أميركا الجنوبية، حيث يحظى بشعبية في مناطق القارة اللاتينية، واستقدمت المتة إلى بلاد الشام في مطلع القرن العشرين مع حركة الهجرة إلى أميركا الجنوبية، إذ جلبها المهاجرون العائدون من هناك، وانتشرت في الشام، بخاصة في سورية ولبنان، وتصنف سورية باعتبارها البلد الأكثر استهلاكاً للمتة خارج أميركا الجنوبية.
يقول خالد عبد السلام لـ"العربي الجديد": "ارتبط المشروب بواقع الناس المعيشي، وهو جزء من الجلسات اليومية، أنا أقيم حالياً في ريف إدلب الشمالي، وعندما أزور أي شخص، أو يزورني أحد، تحضر المتة إذا كانت الجلسة ستطول، فهي رخيصة إلى حد ما، وتدوم لساعة أو ساعتين، كما أنها باتت عادة، فليس فيها تكلف، ما يجعلها مشروباً مرغوباً لدى غالبية الناس".

المساهمون