مع انتهاء الفصل الدراسي الأوّل في الكويت الذي كانت الدراسة فيه حضورية بعد أكثر من عام ونصف عام من الدراسة عن بعد من جراء الإجراءات الاحترازية التي فرضها تفشي فيروس كورونا الجديد، يقول الكثير من المعلّمين والمعلّمات الكويتيين إنّ الفصل الدراسي الأول كان محاولة لترميم الأضرار الكبيرة التي سبّبها التعليم عن بعد، وأدى إلى تدني مستويات التلاميذ المعرفية، وتراجع كثيرين في اللغة وعدم قدرتهم على القراءة والكتابة.
وتكشف تقارير صادرة عن لجان للمتابعة والرصد في وزارة التربية الكويتية أنّ 30 في المائة من تلاميذ المراحل الأولى الذين تلقوا تعليمهم خلال فترة كورونا لا يعرفون القراءة والكتابة أو طريقة إمساك القلم، بسبب عدم جدوى آليات التعليم عن بعد. وإنّ جزءاً كبيراً منهم لم يستوعب المادة المقررة، أو يعرف المطلوب منه، عدا عن أساسيات الرياضيات واللغة الإنكليزية والعلوم الطبيعية في المراحل الأولى من المرحلة الابتدائية.
ويقول مدرّس اللغة العربية في المرحلة المتوسطة، أحمد العثمان لـ "العربي الجديد" إن الفصل الأول "كان محاولة لترميم الأضرار الكبيرة التي أحدثها التعليم عن بعد خلال فترة كورونا. ومن الواضح أن التلاميذ لم يتعلموا أيّ شيء. مع ذلك، كانت علاماتهم عالية جداً، مقارنةً بالسنوات الماضية، الأمر الذي يؤكد فشل آليات التعليم عن بعد". ويحمّل الأهل جزءاً من المسؤولية، لكونهم "لم يهتموا بتعليم أبنائهم، أو يحاولوا تعويضهم ما فاتهم خلال فترة التعليم عن بعد".
من جهتها، تصف فاطمة العبيدلي، وهي معلّمة في المرحلة الابتدائية، الفصل الأول بـ "المعاناة الكبيرة" بسبب عدم تعود التلاميذ للمدرسة، وخصوصاً طلاب الصف الابتدائي الأول، والصف الابتدائي الثاني، الذين دخلوا المدرسة لأول مرة لعدم قدرتهم على الالتحاق بمرحلة ما قبل المدرسة بسبب تفشي كورونا. وتؤكد أن الكثير من التلاميذ كانوا خائفين ومتوترين، خصوصاً مع الإجراءات الاحترازية المشددة التي فرضتها وزارة التربية، استجابة لتعليمات السلطات الصحية. ووصفت هذه الإجراءات بأنّها "مبالغ فيها وتثير التوتر وتزيد من متاعبهم وتكرههم في الدراسة".
وتحكي العبيدلي قصّة تلميذ في الصف الابتدائي الأول توقف عن الدراسة شهراً كاملاً بسبب شعوره بالضيق من وضع الكمامة بشكل متواصل، والبقاء داخل الفصل وعدم الخروج إلى الفسحة بين الحصص. إلا أن بعض إدارات المدارس قررت التخفيف عن التلاميذ وتجاوز بعض الشروط التي فرضتها السلطات الصحية، خصوصاً لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية الذين يقول المعلمون إنهم "لا يعلمون شيئاً مما يجري".
إلى ذلك، ينتقد الباحث التربوي حمزة الخياط عدم إقدام وزارة التربية على حلّ مشكلة التعثر الدراسي التي عانى منها التلاميذ خلال 18 شهراً من الانقطاع عن الدراسة الحضورية. ويقول لـ "العربي الجديد": "كان يفترض وقف الدراسة شهرين، والعمل على تحديد مستوى الأطفال في القراءة والكتابة، واعتماد كتب تحوي مناهج تتناسب معهم والتركيز على المهارات الأساسية والتخلي عن الأفكار القديمة".
في هذا الإطار، تقول مديرة إحدى المدارس الابتدائية لـ "العربي الجديد" إنها اجتمعت بالمعلمات بعد أول أسبوعين من بدء الدراسة في الفصل الأول، وطلبت منهم تحديد مكامن الخلل لدى تلاميذ المراحل الأولى، وعالجت آليات الخلل من خلال وسائل عدة، منها وضع المعلمات ذوات الخبرة لتدريس تلاميذ المراحل الأولى، فيما وضعت المعلمات الأصغر سناً في المراحل المتقدمة، واعتمدت مناهج خارجية لتعليم التلاميذ القراءة بشكل سريع مثل كتاب "القاعدة الحلبية".
وتؤكد مديرة المدرسة لـ "العربي الجديد" أن "وزارة التربية لم تساعد بشكل واضح في حل المشكلة التعليمية، لكونها مشغولة بتجهيز المدارس وتطبيق الشروط الصحية ومحاولة الحد من التدخلات السياسية في عمل الوزارة، بالإضافة إلى أجواء عدم الاستقرار في الحكومة المستقيلة. أما المناهج التعليمية ومستوى التلاميذ، فإنها من آخر اهتماماتها".
ويؤكد المعلمون والخبراء التربويون في الكويت أنّ الفصل الدراسي الأول بشكل عام لم يكن تعليمياً، بقدر ما كان فصلاً حاولت فيه الكوادر التعليمية إصلاح الانهيار الكبير الذي حصل في منظومة التعليم خلال السنتين الأخيرتين. ويرون أن جهود الإصلاح كانت فردية، تدعمها بعض منظمات المجتمع المدني المهتمة بالشأن التعليمي مثل مبادرة "معلمون متطوعون". إلّا أنّ الآثار الكبيرة التي خلفها نظام التعليم عن بعد، والإهمال الذي تعرض له التلاميذ في مدارس الكويت، قد تبقى لفترة طويلة إذا لم تتدخل وزارة التربية رسمياً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.