مثلما نقول البحر، في حين أنّنا نعني النهر، ونقول الجبل في حين نقصد الهضبة أو التلّ الذي يقلّ ارتفاعه عن ألف قدم، ومثلما لا نختلف حول فوائد الجبال المذكورة في الكتب السماوية، وتلك التي يُحدثنا عنها علماء الجيولوجيا والخبراء البيئيون، هناك من يُنكر الحقائق العلمية، فيقع في ما لا تُحمد عُقباه، كما حدث في المستوطنة الحديثة على أطراف المدينة الكبيرة، حين فتت أحدهم الجبال القريبة كي يبيع أحجارها، فانشقت الأرض، وظهر أخدود كبير قسّم المستوطنة إلى قسمين، وانهارت المباني.
لم يجد السكان في القوانين ما يدين الرجل، فصبّوا عليه لعناتهم، وبقيت الحادثة تشير إلى معاني نصب الجبال، باعتبارها "أوتاد الأرض" لمنع الزلازل، ونحت الجبال بيوتاً وليس تفجيرها وتفتيتها، إذ يجهل كثيرون الاتزان الذي خلقت عليه الأرض حتى تصلح لحياة البشر. وثبت علمياً أنّ الأرض تتصدع وتتحرك قشرتها ويمر باطنها ببطءٍ لا يشعر به الإنسان، كما لا يحسّ بدورانها. لكنّ الجبال (الأوتاد) تُثبّت الأرض لأنّها تمتد في أعماق تزيد عمّا يظهر فوق سطح الأرض.
أيّ نشاط بركاني أنتج "الكدنكول" الذي ميّز قرى قرب ضفة النيل الغربية شمالي السودان؟ وقد تسمى بهذا الاسم النوبي الذي يعني التل الصخري، شأنه شأن أدوات الإنتاج الزراعي، وأسماء نوبية متداولة كثيرة. فصل "الكدنكول" بين الأراضي الزراعية الخصبة، والتلال الخرسانية الممتدة، والتي تتناثر بينها الصخور السوداء الداكنة بأحجامها المختلفة حتى حدود الصحراء، بما تحتويه من أودية موسمية تنزلق مياهها من قمم الجبال والهضاب إلى السفوح، ليختلط الأخضر بالأصفر والأسود في لوحة بديعة تزداد بهاءً بحركة حيوانات الجبال من غزلان وحيوانات برية وطيور، وحيوانات أليفة لسكان الجبال والصحراء.
حياة متكاملة يهددها نشاط الإنسان، وما اعترى الكون من تغيّرات مناخية، إذ لم نعد نسمع بزراعة الأودية البعيدة، ونزح من كانوا يعيشون وسط الجبال والأودية مع حيواناتهم ليقيموا حول قرانا. وتبدلت سُبل كسب عيشهم عبر ممارسة نشاطات أخرى غير الرعي ضمن موجة تحولات. لكنّ "الكدنكول" يظل شاهداً على تنوع جيولوجيا المكان وسط المساكن، فيما تحولت الجبال البعيدة من ملاجئ آمنة للحيوان والإنسان إلى مصدر تهديد بيئي بعد تدهور النظم البيئية فيها، وتهديد أمني مرتبط بتطور الجريمة واكتشاف آليات استخراج المعادن خارج الأُطر القانونية.
تُبيّن دراسة أجرتها منظمة الأغذية والزراعة "فاو" في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أنّ الجبال تؤوي عدداً متزايداً من أشد الناس جوعاً في العالم، والذين ارتفع عددهم أخيراً إلى نحو 350 مليوناً في ظلّ هشاشة النظم البيئية التي يعيشون فيها، ما يلزم العالم بالالتفات إلى هذه القضية والعمل على تحسين قدرة النظم الإيكولوجية على الصمود.
*متخصص في شؤون البيئة