القتل العائلي... جرائم مرعبة غريبة عن العراق

16 فبراير 2022
يواجه المجتمع العراقي خطر زيادة الجرائم (صباح عرار/ فرانس برس)
+ الخط -

لا تتوقف أجهزة الأمن العراقية عن نشر أخبار تؤكد مقتل زوجة على يد زوجها أو العكس، أو امرأة على يد شقيقها، وابنة على يد أبيها، وارتكاب جرائم مروعة أخرى. وقد ارتفع عدد هذه الجرائم في الأعوام القليلة الماضية، في ظل توافر "الأرضية الخصبة" لارتكابها والمتمثلة في التأثيرات السلبية لحال الاحتقان اليومي الأمني والسياسي، وتردي الوضع الاقتصادي الذي يدخل الأسر في معاناة كبيرة، وتراجع مستوى التعليم، إضافة إلى انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات في شكل غير مسبوق.
وشهد شهر يناير/ كانون الثاني الماضي سلسلة جرائم قتل عائلية مروعة، ارتكب أحدها مراهق أنهى حياة خمسة من أفراد أسرته بينهم والداه وشقيقه الأكبر في محافظة النجف (جنوب). وقد استطاعت إحدى شقيقاته النجاة، لكنها أصيبت بجروح خلال محاولتها الوصول إلى سطح منزل الجيران. وأظهرت التحقيقات الأولية التي أجرتها أجهزة الأمن أن القاتل يتعاطى المخدرات.
أيضاً، قتل الناشط على موقع "يوتيوب" محمد العيساوي ابنته البالغة 14عاماً، بحجة "غسل العار" بعدما اكتشف وجود علاقة جنسية بينها وبين شاب أراد أن يخطبها. وهرب العيساوي إلى جهة مجهولة، فيما أظهرت الفحوص الطبية أن الفتاة لم يمسّها أحد.

وبسبب خلافات عائلية، قتل شخص برصاص أطلقه من مسدس، والده وشقيقه ونسيبه شرقي بغداد، وآخر زوجته الموظفة في كلية الإسراء الجامعة، قبل أن ينهي حياته بإطلاق النار على نفسه داخل منزله جنوب شرقي العاصمة.
وفي مدينة الحلة جنوب بغداد، قتل أب ابنته وأمها وجدتها قبل أن ينتحر. وفي محافظة الديوانية (جنوب) خنق شخص والده، وألقاه في فتحة لتصريف المياه، قبل أن تعتقله الشرطة.
وبين الجرائم التي ارتكبت العام الماضي، إحراق شخص والده وأخته داخل منزل العائلة ببغداد لإخفاء أي أثر يدل على أنه قتلهما، لكنه اعترف بعد توقيفه بارتكابه الجريمة لأسباب عائلية.
وأردى أحد سكان بغداد، وهو في حال من السكر الشديد، شقيقتيه بإطلاق النار عليهما من مسدس. وأصيبت الأولى بـ 6 طلقات نارية والثانية بأربع طلقات.
وفي محافظة ذي قار (جنوب)، قتل رجل ولده الشاب، وخنقت فتاة في العشرينات زوجها أثناء نومه بواسطة غطاء وضعته على رأسه، وذلك انتقاماً لضربه إياها بعصا.
وفي محافظة الديوانية (جنوب)، قتل شخص والد زوجته، ثم اصطحب زوجته إلى داخل سيارته وأطلق النار عليها أمام أطفاله لأنها شاهدته يقتل والدها.
كذلك، قتل شاب والدته وشقيقته بأعيرة نارية وأحرق منزل عائلته في بغداد وهما داخله كي يظهر الحادث بأنه قضاء وقدر. وكشفت التحقيقات أن الجاني من مدمني المخدرات، وأقدم على فعلته بدافع السرقة.

أسباب غريبة وراء جرائم العائلات (حسين فالح/ فرانس برس)
أسباب غريبة وراء جرائم العائلات (حسين فالح/ فرانس برس)

تراجع أخلاقي
يتحدث مشتاق صالح الذي كان شاهداً على جريمة قتل شاب لشقيقته، لـ"العربي الجديد" عن أن "المجتمع العراقي يشهد تراجعاً أخلاقياً منذ سنوات، رغم أن الانتقام كان يمثل سابقاً نوعاً من الرجولة لاسترداد الكرامة والشرف".
ويوضح أن "الشاب ارتكب جريمة قتل شقيقته التي تكبره بسبب شكه في علاقتها برجل استناداً إلى معلومات لم يتحقق من صحتها، وكان معروفاً بنزواته وتعاطيه الكحول والمخدرات، لذا أؤيد مقولة إن مجتمعنا في خطر، وإن جرائم القتل العائلية ستزداد".
وفي 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حددت وزارة الداخلية عدد الجرائم المُسجّلة خلال عام 2021 بـ 1077 جريمة اكتشف مرتكبو 666 جريمة منها، وبعضهم أفراد في الأسر ذاتها وآخرون من متعاطي المخدرات.
من جهتها، تقول الناشطة في مجال حقوق المرأة مهى عبد الرحمن لـ"العربي الجديد": "لم يشهد العراق جرائم عنف أسري أسوأ من تلك الحالية على صعيد الأسباب الغريبة لارتكابها. كانت الأسرة في كل المراحل التي مرّ بها العراق أعلى شأناً منها حالياً. حتى المجتمعات الأكثر بعداً عن المدنية، مثل تلك في مناطق الأهوار والبادية والأرياف، لم تشهد جرائم مثل اليوم. وفي تلك المجتمعات اضطلعت المرأة بدور كبير ومحترم وحظيت الأسرة بتقدير بالغ، فكان يندر أن تشهد جرائم قتل داخلها".
وتشدد عبد الرحمن على ضرورة أن يمرر مجلس النواب مشروع قانون العنف الأسري الذي يضع حداً لبعض الجرائم، بعدما أقرّته الحكومة في أغسطس/ آب الماضي لمحاولة حماية الشرائح الضعيفة في المجتمع، خصوصاً الأطفال والنساء، وأرسلته إلى البرلمان لمناقشته وتمريره كي يوضع قيد التنفيذ. لكن البرلمان لم يمرره حتى اليوم بسبب تحفظ قوى سياسية دينية على ما تسميه "بنود مستوردة من قوانين غربية لا يمكن تطبيقها في المجتمع العراقي".

انتشار المخدرات سبب رئيسي في ارتكاب الجرائم (صافين حامد/ فرانس برس)
انتشار المخدرات سبب رئيسي في ارتكاب الجرائم (سفين حامد/ فرانس برس)

حجة "اللا وعي"
يقول ضابط في الشرطة العراقية برتبة مقدم طلب عدم الكشف عن هويته لـ"العربي الجديد": "زادت جرائم القتل منذ أعوام، وبينها تلك العائلية التي يمكن وصفها اليوم بأنها باتت مرعبة، لأنها تهدد بناء المجتمع وأخلاقه وسلوكه".
يضيف: "تظهر التحقيقات الخاصة بهذه الجرائم والتي اطلعت على عدد منها، أن ارتكابها يرتبط بتعاطي المخدرات والكحول والخلافات العائلية. وبعض منفذيها يبدأون بعد فترة من ارتكاب أفعالهم بالبكاء وإيذاء أنفسهم عبر ضرب رؤوسهم وصدورهم بأيديهم، ويؤكدون أنهم لم يكونوا في حالة وعي حين ارتكبوا فعلتهم كونهم تحت تأثير المخدرات. أما الأسباب التي تدفع إلى تعاطي المخدرات فترتبط أساساً بالبطالة الناتجة عن تردي الوضع الاقتصادي في بلدنا".

فقدان الشعور بالذنب
يوضح متخصصون في الطب النفسي أن "تعاطي المخدرات والظروف التي تدفع الى ارتكاب جرائم قتل، خصوصاً تلك العائلية، ناتجة من الضغوط التي يعاني منها القاتل، والتي تدفعه إلى ارتكاب أبشع الجرائم وأكثرها قسوة بلا دراية كاملة بما يفعله".
ويقول الاختصاصي في الطب النفسي الدكتور محمد الزبيدي لـ"العربي الجديد": "وراء كل جريمة قتل هناك حالة نفسية معينة وفرت أسباب ارتكابها. وليس ضرورياً أن يكون الفقر والعامل الاقتصادي والانتقام وراء جرائم القتل، إذ قد تلعب عوامل أخرى دوراً، مثل العقد النفسية التي تبرر لصاحبها مسبقاً ارتكابها".
وفي حال الجرائم العائلية، يقول الزبيدي: "تفيد التحقيقات بأن غالبية الجرائم وقعت تحت تأثير المخدرات أو بسبب خلافات عائلية أو ظروف اقتصادية. والخلافات العائلية تنتج دائما غالباً من تردي الظروف الاقتصادية، لكننا نرى أيضاً أن المخدرات تنتشر بين أفراد المجتمع من مختلف المستويات".
ويتابع: "لا أنكر أن المخدرات تدفع المتعاطين إلى ارتكاب الجرائم، لكن جرائم عائلية عدة ارتبطت بأشخاص لم يكونوا تحت تأثيرها، ونفذوا أفعالهم غير القانونية بهدف غسل العار والانتقام والثأر. ومن يرتكب هذه الجرائم يفقد الشعور بالذنب والندم، ما يعني أنهم يعانون من اضطرابات نفسية. ودور الأسرة مهم جداً في رصد هذه الحالات، ومحاولة علاجها عبر عرضها على أطباء اختصاصيين".

"كارثة حلّت بالعراق"
واللافت أنّ عراقيين كُثراً يعتقدون بأن القانون المطبق يضع حداً صارماً لهذه الجرائم، باستثناء تلك التي يثبت ارتباطها بالحفاظ على الشرف التي تخفف الأحكام القضائية فيها. لكنهم يرون أيضاً أن من الضروري إيجاد حل لهذه الجرائم التي تصفها الباحثة الاجتماعية أنوار طه بأنها "كارثة حلّت بالعراق".

وتقول لـ"العربي الجديد": "يهدد التفكك المنظومة الاجتماعية التي عرفت بترابطها وقوتها خلال كل الأزمنة والظروف الصعبة الكثيرة التي مرّ بها العراق. وما يحدث اليوم لم نراه في تاريخ البلاد". تضيف: "يجب أن تتخذ السلطات تدابير لوقف التدهور المجتمعي. ويمكن وضع خطط تتبناها كل الوزارات وتتعاون في تنفيذها مع المنظمات المدنية والأجهزة الأمنية تبدأ من الحدود العراقية عبر ضبط المنافذ البرية والبحرية لمنع دخول المخدرات، مروراً بإنشاء بنى تحتية كافية ومؤهلة وحديثة للتأهيل النفسي، وهو أمر يصعب تحقيقه إذا لم يترافق مع تحسين مستوى الخدمات والمعيشة، والقضاء على الفقر والبطالة".

المساهمون