القبور العمودية... ترويج صيني لـ"كلفة موت" أقل

01 مارس 2022
المدافن الأرضية شائعة في الصين (يوهانس إيسيلي/ فرانس برس)
+ الخط -

تسعى الصين إلى التخلص من عادة دفن الموتى في قبور تقليدية، ضمن حملة تهدف إلى الحفاظ على الأراضي الزراعية وتعزيز ممارسات الدفن الصديقة للبيئة. وأصدرت سلطاتها قرار وقف منح قبور أفقية لدفن الموتى، واستبدالها برفوف عمودية صغيرة تضم رمادهم.
تأتي الحملة بعدما توقعت تقارير حكومية أن يصل عدد الوفيات في الصين إلى 15 مليوناً سنوياً بحلول عام 2025، ما يثير مخاوف من استنزاف المزيد من الأراضي، في وقت تعتبر فيه تكاليف الدفن مرتفعة، علماً أنّ مسؤولين كانوا قد اقترحوا إعادة النظر في مسألة الحرق التي ترفضها عامة الشعب، واستبدالها باستخدام مواد تساعد في تحلل الجثة، ما يقلص مساحة المقابر في المستقبل.
وبحسب المعتقدات الصينية، يجب دفن الموتى في جوار أسلافهم كي تستقر أرواحهم في حياتهم الثانية، كما يجب أن تلامس الجثث التراب لتحقق شرط التوازن الكوني، وفق فلسفة قديمة تعرف بـ"اليين واليانغ"، لذا يرفض معظم الصينيين فكرة حرق الجثث، ويفضلون طريقة الدفن التقليدية.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أخرجت السلطات المحلية بمقاطعة قانسو جثة امرأة مسنّة من قبرها بعدما دفنها أهلها من دون الحصول على إذن مسبق من الدوائر المختصة، ما أثار غضباً شعبياً من انتهاك حرمة الميت. وتداول نشطاء على مواقع التواصل صوراً تظهر نبش القبر، وعلّق بعضهم: "حتى الموت لا يشكل حصانة كافية حين تخرق القانون في الصين".
وتستهدف الحملة الحكومية خصوصاً المناطق الريفية، حيث لا تزال المدافن الأرضية شائعة، علماً أن السلطات صادرت أخيراً عشرات الآلاف من التوابيت التي أعدها كبار السن لأنفسهم مسبقاً، وتربط نجاح الحملة بواقع أنّ "تكاليف الدفن باهظة، حيث يصل سعر متر الأرض الواحد إلى حوالي 5 آلاف دولار، بينما لا تحتاج صناديق الرماد لأكثر من 500 دولار".
ولم تكتفِ الحكومة بحث الناس على حرق الجثث، بل دعت إلى رمي الرفات في البحر لمواجهة ارتفاع أسعار الجنازات وتكاليف الدفن، ورصدت دعماً مادياً لكل أسرة بقيمة ألفي يوان (حوالي 350 دولاراً)، ووفرت قوارب خاصة تنقل الجثث مجاناً إلى البحر.
أما الإجراء الأكثر إثارة للجدل فتمثل في إنشاء مقابر افتراضية على منصات التواصل الصينية تحفظ بيانات الميت وتاريخ وفاته، وتتيح لذويه وأصدقائه تقديم قرابين وإجراء طقوس تكريمه من خلال زيارة حجرته الخاصة أو قبره الافتراضي في الموقع الإلكتروني.

طوابير الانتظار
يقول جيانغ لو بينغ، الذي يملك مكتباً تجارياً في مدينة شانغهاي، لـ"العربي الجديد": "اضطررت بعد وفاة والدي قبل عامين إلى وضع جثته في ثلاجة لمدة أربعة أشهر بانتظار الحصول على القبر الذي يتطلب موافقة حكومية تستغرق الكثير من الوقت للدفن في مقابر خاصة، وتمر بمراحل معقدة".
يضيف: "رغم أنّ تكاليف القبر مرتفعة وقد تصل إلى نحو عشرين ألف دولار، يفضل كثر ممن يملكون القدرة على دفع هذا المبلغ الدفن على الحرق، ويبدون استعدادهم للانتظار فترات طويلة عملاً بوصية موتاهم (عادة يوصي كبار السن بعدم حرق جثثهم لاعتقادهم بأن ذلك سيفقدهم نعيم الحياة الثانية).
وتعتبر شانغهاي إحدى أكثر المدن الصينية ازدهاراً وحداثة، ما يجعل كلفة القبر فيها أكبر من مدن أخرى، كما أنها لا تضم أراضي واسعة لدفن الموتى، لذا اعتبرت من أولى المدن التي استجابت لفكرة رمي الجثث في البحر، باستثناء الميسورين القادرين على تحمل أعباء الدفن التقليدي.

يرفض معظم الصينيين فكرة حرق الجثث (يوهانس ايسيلي/ فرانس برس)
يرفض معظم الصينيين فكرة حرق الجثث (يوهانس إيسيلي/ فرانس برس)

تقليد قديم
من جهته، يقول الناشط الحقوقي لي يونغ وان، لـ"العربي الجديد": "يجب أن تحترم الحكومة حرمة الموت، وتقدّر التزام الشعب الصيني بإرثه الثقافي. وأكثر ما يمسّ ويعذب الإنسان هو العبث بجثة عزيز عليه. وأنا أسأل بأيّ حق تستخرج جثة هامدة من القبر بذريعة أن دفنها يخالف القانون"، في إشارة إلى حادثة مقاطعة قانسو، حيث أخرجت السلطات جثة مسنّة وأحرقتها لأنّ أهلها لم يستخرجوا رخصة بالدفن.
ويلفت إلى أن "تاريخ الدفن في الصين يعود إلى أكثر من ألفي عام، وأساليبه جزء مهم من التراث الشعبي لا يجب أن يمسّ، وعلى الحكومة أن تدعم هذا الإرث وتحافظ عليه، بدلاً من إلزام الناس بسياسات مجحفة، وتنبش قبور الأموات من دون أدنى مراعاة لمشاعر أهلهم وذويهم".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويشير إلى أنّ فكرة حرق الجثث دخلت إلى الصين في وقت متأخر ضمن تسريبات الثقافة الهندية، لكنّ الأصل كان الدفن التقليدي، علماً أنّ علماء آثار وتنقيب اكتشفوا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي مقبرة بمنطقة منغوليا الداخلية ضمت رفات 128 طفلاً تعود إلى عهد أسرة هان التي حكمت الصين خلال الفترة الممتدة بين 202 قبل الميلاد و220 بعد الميلاد.
وأعلن معهد بحوث الآثار الثقافية في المنطقة أنّ المقبرة المكتشفة حديثاً تحتوي على توابيت قرميدية، ما يشير إلى أنّ الدفن في جرار الفخار كان سائداً خلال تلك الحقبة، وأشار إلى أنّ الاكتشاف الجديد ربما يقدم مواد قيمة لدرس عادات الدفن والجنازات الغريبة في تاريخ الصين القديم.

المساهمون