بعد إقدام سلطات الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً على عزل منطقة عين الساكوت، في الأغوار الشمالية الفلسطينية، بالضفة الغربية المحتلة، عبر إقامة سياج على امتداد المنطقة ووضع بوابة حديدية على مدخلها، تمكن الفلسطينيون من كسر عزلتها، ضمن جولات ومسارات سياحية جاءت إليها من أنحاء الضفة الغربية كافة.
يومي الجمعة والسبت، من كلّ أسبوع، يأتي إلى الأغوار الشمالية كثيرون، فيما منطقة عين الساكوت القريبة من الحدود الأردنية تعتبر محط أنظار مئات الفلسطينيين الذين وضعوها على خريطة مساراتهم السياحية والبيئية، في محاولة منهم للتأكيد على فلسطينية المكان، وكسر العزلة التي فرضتها سلطات الاحتلال عليه، بعد تسييجه بالكامل، ووضع بوابة حديدية على مدخله، مع لوحة كتب عليها: "ممنوع الدخول - مساحة خاصة" باللغات العربية والعبرية والإنكليزية.
المرشد السياحي أنور دوابشة يستهدف في مساراته الأسبوعية الأغوار بشكل رئيسي، ويزور أكثر من منطقة في المسار الواحد، ويتعمد أن يسير مع فريقه على الأقدام كيلومترات عدة ليكتشفوا جمال تلك المناطق وأهميتها وتنوّعها البيئي والحيوي، بدلاً من المرور بها سريعاً بسياراتهم، وفق ما يؤكده دوابشة لـ"العربي الجديد". وعن عين الساكوت، فهي نقطة ثابتة في كلّ مسار لدوابشة، الذي يقول: "هذا أقل ما نقدمه لهذا المكان السياحي، أن نزوره مرة كلّ أسبوع، نكسر فيها عزلته، التي يفرضها الاحتلال عليه، كما نؤكد فلسطينيته، في وقت يأتي مستوطنون، بعضهم مسلحون، إلى المكان، إما للسباحة أو لرعي الأبقار". وعلى الرغم من أنّ المكان يفتقد للخدمات الأساسية كالمقاعد والنظافة والمرافق الصحية، فإنّ ذلك لا يقلل من مكانته في قلوب الفلسطينيين، ويقول دوابشة: "نجلس على التراب - هذا ليس مهمّاً - ونسند ظهورنا إلى ذلك السياج اللعين، فالمهم أنّنا هناك صامدون".
يعتبر الفلسطينيون أنّ الخطوة الإسرائيلية بعزل عين الساكوت تندرج في إطار مخطط "ضم الأغوار" الذي تنفذه حكومة الاحتلال من دون ضجة إعلامية، إذ سيطرت حقيقة على أكثر من 90 في المائة من مساحة الأغوار التي تشكل 30 في المائة من مساحة الضفة الغربية المحتلة. ويستهدف المخطط بصورة جلية المواقع التاريخية والأثرية التي تعج بها الأغوار، بالإضافة إلى الحقول الخصبة ومصادر المياه، ومنها نبع وعين الساكوت.
ووفق مسؤول ملف الاستيطان في الأغوار، معتز بشارات، فإنّ عين الساكوت قرية فلسطينية تعرضت للتدمير الكامل وتهجير سكانها بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967، إذ كان يبلغ عدد سكانها آنذاك نحو 1500 نسمة، وكانت تبلغ مساحتها مع الأراضي التابعة لها 30 ألف دونم، يستولي الاحتلال على نحو 90 في المائة منها حالياً. يقول بشارات لـ"العربي الجديد": "بعد ذلك، حُرم الفلسطينيون لعقود طويلة من الوصول إلى منطقة عين الساكوت، لكن عقب معارك قضائية استطاعوا استرداد نحو 5000 دونم من أراضيها، كان ذلك قبل أربع سنوات فقط، ومنذ ذلك الحين شدّ الفلسطينيون الرحال إليها".
لكنّ الوصول إلى عين الساكوت ليس سهلاً، فحواجز الاحتلال المنتشرة على مداخل الأغوار تعرقل ذلك، فيما التحدي الأكبر يكمن في أنّ المنطقة، نظراً لقربها من الحدود، كانت مزروعة بالألغام، التي ادعى الاحتلال أنّه أزال الجزء الأكبر منها، لكن ما زالت اللوحات التحذيرية منصوبة وتُثير هواجس المتنزهين. وعلى الرغم من القرار القضائي الصادر عن محكمة العدل العليا الإسرائيلية، فإنّ الاحتلال يواصل تهويد المنطقة برمتها، تحديداً نبع الساكوت، فكانت الخطوة الأخيرة تسييج محيط النبع، ما يعني أنّه مع إغلاقه البوابة لن يكون بمقدور الفلسطينيين الدخول إلى النبع للسباحة أو التنزه. وفضلاً عن الأهمية البيئية والمناخية، تعتبر عين الساكوت ذات أهمية استراتيجية كونها رئة الشعب الفلسطيني وحدوده مع الأردن والوطن العربي عموماً.
ويسيطر الاحتلال الإسرائيلي على 400 ألف دونم من أراضي الأغوار، ويمنع الفلسطينيين من الاستفادة منها، وأقام 90 موقعاً عسكرياً فيها، و36 مستوطنة غالبيتها ذات طابع زراعي، تسيطر على المياه والموارد الفلسطينية. وأعلن قادة الاحتلال منذ 1967 رفضهم تسليم المنطقة، في أيّ اتفاق تسوية، بينما كان الاحتلال قد أعلن العام الماضي نحو 20 في المائة من أراضي الأغوار "محميّات طبيعيّة" و"حدائق وطنيّة" على الرغم من أنّ مساحات كبيرة منها ملكية فلسطينية خاصة.
أهمية بيئية كبيرة
لعين الساكوت أهمية بيئية كبيرة جداً، فهي من أكثر مناطق فلسطين تنوعاً في الغطاء النباتي، وهي الضفة الأخرى لنهر الأردن، ومصب الفائض من النهر عبر الحوض الجوفي الموجود فيها. مناخها رطب صيفاً وشتاءً، وهي ذات بيئة غورية مميزة، وتعتبر ممراً للطيور المهاجرة، إذ تشاهَد أنواع نادرة فيها خلال الربيع.