الفلاحة الصحراوية في تونس... الجفاف والإهمال يهددان الثروة البيئية

24 اغسطس 2022
الجفاف يهدد ثروة تونس من النخيل المثمر (ياسين جايدي/ الأناضول)
+ الخط -

يتسبب شح المياه في مناطق جنوب تونس الناتج عن قلّة تساقط الأمطار ونقص المياه الجوفية في تضرّر العديد من الواحات، وموت مئات من أشجار النخيل سنوياً، على الرّغم من قدرتها على تحمل العطش، كما يؤدي الجفاف إلى اندلاع حرائق متكررة في واحات النخيل، وانتشار آفة عنكبوت الغبار التي تدمر النخيل، خصوصاً في توزر وقبلي، واللتين تعتبران المنتج الأول للتمور في تونس، فضلاً عن تضرر مساحات خضراء كبيرة في مناطق الجنوب.
وحسب المجمع المهني للغلال، فإنّ التمور التونسية مخصصة بنسبة 60 في المائة للتصدير، وهي تُباع في أكثر من 57 دولة، وتحظى أوروبا بالنصيب الأكبر، وتضم منطقة قبلي نحو 60 في المائة من الواحات، ويضم القطاع الفلاحي فيها أكثر من 30 ألف منتج تمور.
وفقد عدد من مناطق الجنوب التونسي العديد من أنواع النباتات الصحراوية، واندثرت مساحات خضراء كبيرة في مناطق الحدود مع الجزائر وليبيا، مما تسبب في نقص المراعي، وأثر على قطعان الإبل، وفق المرصد الوطني للمياه. 
ويقول رئيس جمعية حماية واحات توزر، عادل الزبيدي، لـ"العربي الجديد"، إن "العديد من الواحات في الجهة اختفت بعد موت آلاف من أشجار النخيل في مساحة تفوق 900 هكتار بسبب الجفاف، وبالتالي هجرها سكانها، والعاملون في قطاع الفلاحة، مما أدى إلى فقدان مساحات خضراء كبيرة في عدّة محافظات بالجنوب التونسي".
وبعد تضرر أشجار النخيل في العديد من الواحات، قرر شباب تونسيون تنظيم حملة توعية حول أهمية الفلاحة الصحراوية في الحفاظ على الثروات البيئية، ومقاومة التصحر، والحفاظ على إنتاج التمور، إضافة إلى حماية العديد من أنواع النباتات المهدّدة بالاندثار.
يقول عبد الكريم الحاجي، وهو أحد المساهمين في تلك الحملة: "نقوم بالتنقل بين المناطق التي تنتشر فيها الواحات المتضررة لتوعية سكانها تلك بضرورة تجديد غرس النخيل للتصدي للتصحر، ومنع تضرر بقية الواحة، إضافة إلى توعية شباب تلك الجهات بأهمية المشاريع الفلاحية في الوقاية من الجفاف، ونحن نستغل نجاح التجربة الجزائرية التي عمد فيها عشرات من المستثمرين في القطاع الفلاحي إلى غراسة مساحات كبيرة من الصحراء، مما ساهم في خلق مناطق خضراء، وتوفير فرص عمل لعدد كبير من السكان".
وشهدت المبادرة مشاركة بعض الجمعيات الناشطة في المجال البيئي خلال جلسات نقاش جرت بمشاركة فلاحين وعدد من العاطلين عن العمل، لتقديم أفكار حول إنشاء مشاريع فلاحية، والحديث عن أهمية الفلاحة الصحراوية.
وتقدم وزارة الفلاحة التونسية تسهيلات كبيرة لتلك النوعية من المشاريع، من بينها حوافز، وقروض عبر البنك الفلاحي، سواء لمشروعات غراسة الأشجار والنخيل، أو تربية المواشي، كما تقوم بتوزيع أراضي على الشبان العاطلين الباحثين عن فرص عمل.

تدعم الحكومة التونسية المشروعات الفلاحية (العربي الجديد)
تدعم الحكومة التونسية المشروعات الفلاحية (العربي الجديد)

وتشير الناشطة البيئة التونسية، منيرة الشافعي، إلى أنّ "بعض الجمعيات تساهم أيضاً في غراسة الأشجار، ومساعدة الفلاحين على تجديد الغرسات التي ماتت بسبب الجفاف، أو بسبب الحرائق، ويُنظم النشطاء حملات توعية مستمرة حول أهمية الفلاحة الصحراوية، وضرورة تشجير مساحات كبيرة من الصحراء، حتى وإن لم تكن أشجار مثمرة، كونها مهمّة في التصدي للتصحر والجفاف، والحفاظ على التنوع البيئي للصحراء، وحماية الثروة الحيوانية بها، وساهمت العديد من الجمعيات البيئية في توفير مشاتل للغراسة في بعض المناطق التي باتت تشهد جفافاً كبيراً".
يهتم المركز الجهوي للبحوث في الفلاحة الواحية بمعتمدية دقاش بمحافظة توزر، بحماية الواحات وغابات النخيل، وساهم باحثوه في حماية العديد من أصناف التمور، والتصدي للعديد من الآفات التي تصيب النخيل، وتقديم الدعم والتدريب لسكان الواحات، وتقديم استشارات فنّية لقرابة 300 فلاح.
وحسب وزارة البيئة، فإنّ الوضع الحالي للواحات "يُبيّن وجود معوقات بسبب التطور الاجتماعي والاقتصادي لمجتمعات الواحات، يتزامن مع تدهور الموارد المائية، وتطرح هذه المعوقات تهديدات تثير المزيد من القلق على المدى المتوسط، والمدى الطويل، ويندرج كل هذا ضمن سياق تغير المناخ الذي يفرض ضغوطاً متزايدة على الموارد الطبيعية".

وللحفاظ على هذه المنظومة البيئية الثرية والاستراتيجية، وضعت الوزارة خطة عمل بشأن التنمية المستدامة للواحات، تهدف إلى مكافحة التصحر، ومكافحة تدهور الأراضي، إما بشكل مباشر، أو من خلال الآثار غير المباشرة، وتتمثل محاور الخطة في تحسين إدارة الواحات، وتشريك جميع أصحاب المصلحة في تنفيذ الاستراتيجية، والحماية والإدارة المتكاملة، والاقتصاد في الموارد المائية بالواحات.
كما تشمل الخطة الحفاظ على التنوع البيولوجي للنباتات والحيوانات في المنظومة الواحية، وإعادة بناء ما تضرر منها، والتصرف في الأراضي الزراعية، والحفاظ عليها عبر مكافحة التصحر، والتنمية المستدامة للبيئة الحضرية للواحات، إلى جانب التركيز على إعادة تأهيل الإنتاجية، والحفاظ على نظام زراعي سليم من خلال استعادة النظام البيئي للواحات، والتصرف في المخاطر، ودعم تأقلم الواحات مع تغير المناخ.

المساهمون