"الفتوة" مادة التعبئة السياسية في مدارس سورية

12 سبتمبر 2024
إعادة مادة "الفتوة" خطوة إلى الوراء في مدارس سورية (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

بدلاً من توفير بيئة تعليمية آمنة ومحفزة للإبداع والتفكير قررت وزارة التربية في حكومة النظام السوري إعادة مادة التربية العسكرية المعروفة باسم "الفتوة" إلى المنهاج لأهداف سياسية وليست وطنية.

أثارت الأنباء المتداولة عن عودة مادة التربية العسكرية، المعروفة محلياً بمادة "الفتوة"، إلى المناهج الدراسية في سورية الكثير من اللغط والجدال في ظل الحروب العسكرية والنفسية المدمّرة التي يعيشها الشعب السوري منذ عام 2011.
ونقلت إذاعة "شام إف أم" شبه الرسمية عن مدير التعليم في وزارة التربية التابعة للنظام السوري، ناهي الجدي، قوله إن "الوزارة اتخذت قرار إعادة مادة الفتوة إلى منهاج تعليم المدارس من خلال تفعيل دور موجهين متخصصين في المادة لتحقيق هدف تربوي".
لكنَّ نشطاء مدنيين يرون أن "الخطوة تعكس دوافع سياسية وأمنية خطيرة تهدف إلى إعادة ترسيخ الأيديولوجية الحاكمة، وتقوية الولاء للنظام من خلال غرس القيم العسكرية في أذهان الطلاب، وأيضاً إلى تطبيق استراتيجية تأطير الهوية الوطنية في شخص الحاكم والسلطة، وإزالة المفهوم الحقيقي للوطن من نفوس وعقول الأجيال القادمة. ولا يمكن تناسي هدف تكريس الحزب الواحد المتمثل في حزب البعث".

يؤكد علي م. المدرّس في محافظة اللاذقية لـ"العربي الجديد": "لا تهدف مادة الفتوة إلى نشر التربية الوطنية، بل إلى تدجين الأجيال وتكريس الولاء للنظام في نفوس الطلاب، فمحتوى المادة مليء بالشعارات والأيديولوجيات، ويبرر ممارسات العنف التي تنفذها السلطة ضد كل من يعارضها بحجة حماية الوطن".
وتحذّر الدكتورة يمام المنصور (اسم مستعار)، في حديثها لـ"العربي الجديد"، من أن إعادة المادة قد تزيد معدلات العنف في المجتمع من خلال زرع الكراهية والخوف من الشريك الآخر في الوطن في نفوس الطلاب. كما قد تعيق التطوّر الشخصي للطلاب وتمنعهم من التفكير بأسلوب نقدي وسليم. والأمر المخفي الأكثر خطورة أن إعادة الفتوة إلى المدارس ستحوّلها من بيئة آمنة تدعم التعليم إلى ساحة للتعبئة السياسية، ما يؤثر سلباً على الصحة النفسية للطلاب، ويقلّل من رغبتهم في التعلّم".
تضيف: "لا يمكن تجاهل التأثير الاجتماعي للمادة التي قد تساهم في تعميق الانقسامات الاجتماعية، وتشجّع العنف والتطرف في وجهات النظر، لأنه سيجري استغلالها حتماً لأغراض سياسية".
ويعتبر جمال المهدي، المتخصص في التربية وعلم النفس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الخطوة تعكس عدم فهم عميق لطبيعة التعليم وتأثيره على النشء. ومن الآثار النفسية السلبية للمادة زيادة معدلات الاكتئاب والقلق والعنف والتحليل الاعتباطي لدى الطلاب، وتطرفهم في آرائهم الشخصية، ما سيشكل انتهاكاً صريحاً لحقوق الطفل والمراهق في التعليم". 
ويدعو المهدي المؤسسات الحقوقية إلى الضغط على الحكومة السورية لإلغاء تطبيق مادة "الفتوة" ورفضها بكل الوسائل السلمية المتاحة. ويشدد على أهمية التركيز على تطوير المناهج الدراسية، وتوفير برامج تعليمية تهدف إلى بناء مواطن صالح قادر على التعايش مع الآخر. ويقترح من ثم وضع مادة بديلة تعزز ثقافة الحوار والتفاهم بين الأطراف.

تشجّع مادة "الفتوة" العنف والتطرف (يوسف بستاني/ الأناضول)
تشجّع مادة "الفتوة" العنف والتطرف (يوسف بستاني/ الأناضول)

ويرى المهدي أن "عودة مادة الفتوة تمثل خطوة إلى الوراء تتناقض مع تطلعات الشعب السوري إلى بناء مستقبل أفضل لأجياله القادمة، والأفضل إيجاد سبل لتطوير المهارات الحياتية والاجتماعية لدى الطلاب من أجل السماح ببناء مستقبل أفضل لأنفسهم والمجتمع".
على صعيد آخر، وافق مجلس الوزراء التابع للنظام السوري على اقتراحات قدمتها وزارة التربية من بينها أتمتة (مكننة) امتحانات شهادة التعليم الثانوي لعام 2024 - 2025، واللجوء إلى إجراء امتحانات شهادة التعليم الأساسي على مستوى المحافظات بشكل لا مركزي ومحلي بدءاً من العام الدراسي الجديد.
وبررت الوزارة قرار إجراء امتحانات شهادة التعليم الأساسي وفق نموذج لا مركزي بوصفه خطوة تهدف إلى تخفيف الضغط على الطلاب وتوفير بيئة أكثر ملاءمة للامتحانات. لكن هذا القرار واجه انتقادات من متخصصين تربويين اعتبروا أنه قد يؤدي إلى تفاوت في مستوى الصعوبة بين المحافظات، ويثير شكوكاً في شأن عدالة المعايير المطبقة.
وتلفت المدرّسة غ. ن. الموظفة في مديرية التربية بريف دمشق لـ"العربي الجديد" إلى أن محافظات محددة تشهد تسريب أسئلة الامتحان ما يجعل طلابها يحصلون على الدرجات الأولى في شكل دائم.
أما في شأن قرار أتمتة (مكننة) امتحانات شهادة التعليم الثانوي، فيعتبر كثير من المدرسين والمختصين التربويين أنها "ستشكل دفعة إلى الأمام في مجال التحديث التكنولوجي للتعليم، وإذا طُبقت في شكل صحيح ومن دون محسوبيات فستضمن السرعة والدقة في التصحيح، وتقلل الأخطاء البشرية".

من جهته، يسأل الاختصاصي التربوي والنفسي جمال المهدي في حديث مع "العربي الجديد": هل أجرت الحكومة والوزارة المعنية دراسات معمّقة لتقييم آثار هذه القرارات على المدى الطويل؟ وهل أشركت المعلمين والموجهين التربويين في عملية صنع القرار؟ وهل وفرت التدريب اللازم للمعلمين والطلاب للتعامل مع النظام الجديد؟". يضيف: "تتطلب القرارات الأخيرة لوزارة التربية السورية الأخيرة الوقوف عندها والتأمل في آثارها. فالمستقبل التعليمي لأجيالنا القادمة يستحق منا جميعاً الجهد والعمل".

المساهمون