العنف الرقمي ضد نساء المغرب: أرقام مقلقة ودعوات لعقوبات رادعة

08 ديسمبر 2022
جهود للوصول لقوانين تتضمن عقوبات رادعة لمثل هذه الجرائم (فاضل السنّا/فرانس برس)
+ الخط -

أطلقت منظمة نسائية مغربية حملة ترافعية لمناهضة العنف الرقمي، في وقت تبدو فيه الأرقام المسجلة بخصوص ما تتعرض له العديد من النساء والفتيات من أشكال متنوعة من هذا العنف مقلقة، للمسؤولين وللمنظمات النسائية على حد سواء.

وأعلنت منظمة "النساء الاتحاديات" (تنظيم نسائي تابع لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض) عن مجموعة من الفعاليات الترافعية والتوعوية تحت عنوان "العنف الرقمي"، تستمر إلى غاية 10 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، جراء "المآسي الاجتماعية والاضطهاد على أساس النوع الاجتماعي ومختلف أشكال الابتزاز والممارسات المهينة والحاطة بالكرامة الإنسانية، التي تتعرض لها النساء على خلفية ما يعرفه العالم من تطورات رقمية وتكنولوجية".

وقالت المنظمة، في بيان، إن التحولات الرقمية كانت بمثابة سيف ذي حدين، وباتت تتحول إلى وسيلة لممارسة أنواع جديدة من الاعتداءات على النساء من خلال منشورات صادمة حافلة بعبارات وأوصاف حاطة بكرامة النساء وحقوقهن وتطلعاتهن، وأيضاً مواد ومحتويات رقمية تتضمن هجوماً على الحياة الخاصة للنساء وتجعل منهن عرضة للاعتداءات الجسدية أو اللفظية، سواء داخل أسرهن، أو في مقرات العمل، أو في الفضاءات العامة.

ولفتت إلى أن إطلاقها الحملة ضد العنف الرقمي يسعى أولا إلى التنبيه لمخاطر هذه الآفة، والتداول في سبل مواجهتها، وثانيا لحشد كافة القوى والتعبيرات والمنصات المدافعة عن حقوق الإنسان من أجل ترافع حقيقي يهدف إلى الوصول لقوانين تتضمن عقوبات رادعة لمثل هذه الجرائم، مضيفة أن "المشرع المغربي لا يزال لم يدرك خطورة هذه الآفة بما يكفي لجعلها من الأولويات التشريعية”.

وفي السياق، قالت الكاتبة الوطنية لمنظمة "النساء الاتحاديات" حنان رحاب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ اختيار موضوع العنف الرقمي لم يكن عبثاً، بل جاء في ظل تطور وتيرة توظيف التكنولوجيا الحديثة إما لممارسة العنف اللفظي ضد النساء، أو إنتاج خطابات معادية للنساء وحقوقهن، أو للتشهير بهن، أو لابتزازهن بواسطة صور وفيديوهات وتسجيلات صوتية، وهو ابتزاز يراوح بين المالي والجنسي، ويصل أحيانا للاتجار في البشر، مضيفة: "لذلك كان من أولوياتنا التنبيه لمخاطر العنف الرقمي ضد النساء، والترافع من أجل تجويد النصوص القانونية لمحاصرته، ومرافقة الضحايا ودعمهن".

وأوضحت رحاب أن الحملة تأتي في سياقين: الأول مرتبط بدينامية تنظيمية تم إطلاقها منذ نهاية أشغال المؤتمر الأخير لمنظمة النساء الاتحاديات، وهي دينامية تشتغل على محورين: الأول في اتجاه تشبيك المنظمات النسائية من أجل أن تكون مؤهلة لخوض الصراع المجتمعي في أفق الانتصار لقضايا النساء العادلة وفي مقدمتها ورش تحيين مدونة الأسرة، والثاني مرتبط بإطلاق فعاليات موجهة نحو المجتمع وبالأخص نحو النساء لاستعادة وهج الحضور الاتحادي خاصة والتقدمي عامة وسط المجتمع.

أما السياق الثاني، فيرتبط، وفق رحاب، بالأيام الأممية التي تدعو الأمم المتحدة لإحيائها كل سنة من أجل مناهضة العنف ضد النساء، والتي ابتدأت يوم 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وتنتهي يوم 10 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، تقول رحاب، لافتة إلى أن منظمتها قررت تمديدها لما بعد هذا التاريخ، لكثافة الأنشطة المبرمجة وامتدادها على كل جغرافيات الوطن.

ويأتي ذلك، في وقت دعت فيه وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة عواطف حيار، خلال إطلاق الحملة الوطنية التحسيسية الـ20 لوقف العنف ضد النساء والفتيات، الجمعة الماضي، إلى تحصين الرقمنة بقوانين قوية لكي لا تشكل خطرا على النساء، معتبرة أن العنف الرقمي أضحى يشكل مصدر قلق كبير يهدد السلامة البدنية والصحة النفسية للمرأة والفتاة، كما تترتب عنه آثار وعواقب وخيمة تؤثر سلبا على وجودهن في المجتمع ومشاركتهن اليومية، وتهدد الاستقرار الأسري والمجتمعي.

وكانت نتائج البحث الوطني للمندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة حكومية تعنى بالتخطيط) حول انتشار العنف ضد النساء والرجال لسنة 2019، قد كشفت أن 13.8 في المائة، أي ما يقارب 1.5 مليون امرأة وفتاة، كن ضحايا العنف الإلكتروني، سواء من خلال البريد الإلكتروني أو المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية القصيرة، مشيرة إلى أن هذا العدد في تزايد مستمر.

كما أبرزت معطيات البحث أن حدة العنف الإلكتروني تتزايد في صفوف الشابات اللواتي تراوح أعمارهن بين 15 و24 سنة بنسبة 24.4 في المائة، وذوات المستوى التعليمي العالي بنسبة 25.4 في المائة، والعازبات بنسبة 30.1 في المائة.

ووفقاً لمسح أجراه صندوق الأمم المتحدة للسكان في سنة 2021، شهدت 85 في المائة من النساء اللواتي لديهن إمكانيات الوصول إلى الإنترنت عنفا رقميا ضد نساء أخريات، و38 في المائة تعرضن له شخصيا، كما أن حوالي 65 في المائة من النساء تعرضن للتنمر الإلكتروني والكراهية والتشهير.

في المقابل، أظهرت دراسة تم الكشف عنها في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أن ما يقارب 87 في المائة من النساء ضحايا العنف الإلكتروني في المغرب فكرن بالانتحار، وما يقارب 20% منهن حاولن، فيما أقدمت سيدة واحدة منهن على الانتحار بالفعل.

وكشفت نتائج الدراسة التحليلية، التي أجرتها جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة" حول العنف الرقمي ضد النساء بالمغرب، أن 60 بالمائة من المعتدين هم أشخاص معروفون لدى الضحية، في حين أن 40 بالمائة منهم أشخاص مجهولون.

وحسب الدراسة، فإن جل الاعتداءات الرقمية تتم باستعمال مواقع التواصل الاجتماعي. ويبقى أكثر الوسائل استعمالا للعنف الرقمي هو "واتساب" بنسبة 43 في المائة، يليه "فيسبوك" بنسبة 22 في المائة، ثم "إنستغرام" بنسبة 17 في المائة وموقع "ميسنجر" بنسبة 14 في المائة.

وبالرغم من إقرار المغرب قانونا يجرم العنف ضد النساء، دخل حيز التنفيذ في 12 سبتمبر/ أيلول 2018، إلا أن صعوبات مختلفة تواجه تطبيقه على أرض الواقع بعد أربع سنوات من اعتماده. كما أنه يثير جدالا واسعا بين من يعتبرونه قانونا "ثوريا" ينصف المرأة ويضع حدا لمعاناتها، وبين من يشككون في قدرته على حفظ كرامتها وحمايتها.

 

المساهمون