العلاقة بين البدانة والخلايا الدهنية والإصابة الخطرة بفيروس كورونا

10 ديسمبر 2021
مصاب بكوفيد-19 في مركز خاص بالبُدن (سوليان فافنك/ فرانس برس)
+ الخط -

توصّلت دراسة علمية حديثة إلى أنّ فيروس كورونا الجديد قد يصيب الخلايا الدهنية والخلايا المناعية في داخل دهون جسم الإنسان، الأمر الذي قد يؤدي إلى إصابة خطرة بمرض كوفيد-19 الذي يتسبّب فيه الفيروس.

وبحسب تقرير حول الموضوع نشرته صحيفة "ذي نيويورك تايمز" الأميركية في بداية الجائحة، كان المرضى الذين يعانون من وزن زائد أو من البدانة أكثر عرضة لإصابة حادة بكوفيد-19 وكذلك أكثر عرضة للوفاة.

وعلى الرغم من أنّ هؤلاء المرضى يعانون في الغالب من حالات صحية، مثل مرض السكري، من شأنها أن تزيد من المخاطر، فإنّ العلماء باتوا مقتنعين بشكل متزايد بأنّ قابلية الإصابة لديهم مرتبطة بالبدانة بحدّ ذاتها.

وترى المعدّتان الرئيسيتان للدراسة، الدكتورة تريسي ماكلولين والدكتورة كاثرين بليش من كلية الطب في جامعة ستانفورد، أنّ الاستنتاج الذي توصلتا إليه مع زملاء لهما يدلّ على علاجات كوفيد-19 الجديدة التي تستهدف الدهون.

كوفيد طويل الأمد

ويتوقّع هؤلاء العلماء أن تساهم الدهون المصابة في الجسم في "كوفيد طويل الأمد"، تلك الحالة التي تؤدّي إلى أعراض مزعجة، من قبيل التعب الذي يستمر أسابيع أو أشهراً بعد التعافي من إصابة حادة بالعدوى.

من جهته، يفيد الدكتور فيليب شيرير، وهو عالم يدرس الخلايا الدهنية في المركز الطبي بجامعة تكساس ساوث ويسترن في مدينة دالاس الأميركية لكنّه لم يشارك في الدراسة، بأنّه "في إمكان الفيروس أن يصيب الخلايا الدهنية بشكل مباشر". يضيف أنّ "ما يحدث في الدهون لا يبقى فيها، بل يؤثر على الأنسجة المجاورة كذلك".

أمّا الدكتور فيشوا ديب ديكسيت، وهو أستاذ الطب المقارن والمناعة في كلية الطب بجامعة ييل الأميركية، فيقول إنّ الخلايا الدهنية قد تكون المكان الذي يختبئ فيه الفيروس، فيتهرّب من الاستجابات المناعية الوقائية.

يُذكر أنّ الدراسة لم تُستعرَض من قبل نظراء ولم تُنشر بعد في أيّ مجلّة طبية، إنّما فقط على شبكة الإنترنت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. والنتائج، في حال تأكيدها، لن تسلّط الضوء فقط على سبب تعرّض المرضى الذين يعانون من وزن زائد إلى الفيروس بشكل أكبر، إنّما كذلك على سبب إصابة بعض البالغين الأصغر سنّاً بالفيروس، علماً أنّ لا مخاطر أخرى لديهم.

والنتائج التي خلصت إليها الدراسة تتعلق خصوصاً بالوضع في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يُسجّل واحد من أعلى معدّلات البدانة عالمياً. ويُعَدّ البالغون الأميركيون بمعظمهم من أصحاب الأوزان الزائدة، فيما يعاني 42 في المائة من البدانة.

قدرة الدهون

وتؤكد بليش أنّ الارتباط بين الفيروس والبدانة "قد يساهم في إصابة شديدة بمرض (كوفيد-19). نحن نرى السيتوكينات نفسها المسبّبة للالتهاب، تلك التي ألحظها في دم الأشخاص الذي يعانون من مرض شديد، والتي تُنتَج كاستجابة لإصابة تلك الأنسجة". يُذكر أنّ السيتوكين هو بروتين، أو عديد ببتيد أو بروتين سكري، يُستخدم في عمليات نقل الإشارة والتواصل ما بين الخلايا.

كان يُنظر إلى دهون الجسم باعتبارها خاملة وأنّها للتخزين، لكنّ العلماء يدركون الآن أنّ هذه الأنسجة نشطة بيولوجياً وتنتج هرمونات وبروتينات الجهاز المناعي التي تؤثّر على خلايا أخرى.

وتشير ماكلولين إلى أنّه "كلّما زادت كتلة الدهون، خصوصاً كتلة الدهون الحشوية، تأتي الاستجابة للالتهاب أسوأ"، في إشارة إلى الدهون البطنية التي تحيط بالأعضاء الداخلية. وتتكوّن الأنسجة الدهنية في الغالب من خلايا دهنية أو خلايا شحمية. وهي تحتوي أيضاً على خلايا ما قبل شحمية تتحوّل عندما تنضج، وعلى مجموعة متنوّعة من الخلايا المناعية.

وفي سياق الدراسة، أجرت ماكلولين وبليش وزملاؤهما تجارب لمعرفة ما إذا كانت الأنسجة الدهنية التي حصلوا عليها من أشخاص خضعوا إلى جراحات السمنة معرّضة إلى الإصابة بفيروس كورونا الجديد، وتتبّعوا كيفية استجابة أنواع مختلفة من الخلايا.

فوجد العلماء أنّه في إمكان الخلايا الدهنية نفسها أن تُصاب بالعدوى، لكنّها لم تلتهب بشدّة. لكنّ ثمّة خلايا مناعية تُدعى خلايا بلعمية قد تُصاب، وهي طوّرت استجابة التهابية قوية. وفي ما عدّوه أمراً غريباً، تبيّن أنّ الخلايا الشحمية قد لا تُصاب بالعدوى، غير أنّها تساهم في الاستجابة الالتهابية.

كورونا "يستسيغ" الدهون

وفي إطار تعليقه على الدراسة، يؤكد ديكسيت أنّ فكرة أن تكون الأنسجة الشحمية خزاناً للعوامل الحيوية المسبّبة للأمراض ليست أمراً جديداً. فدهون الجسم تحمل عدداً منها، بما في ذلك فيروس العوز المناعي البشري (الذي يتسبّب في مرض الإيدز) وفيروس الإنفلونزا.

ويبدو أنّ فيروس كورونا الجديد قادر على التهرّب من الدفاعات المناعية لدهون الجسم، والتي تكون محدودة وغير قادرة على محاربته بشكل فعّال. ولدى الأشخاص الذين يعانون من البدانة، ثمّة كميات كبيرة من الدهون في الجسم.

ووفق الدكتور ديفيد كاس، أستاذ أمراض القلب في كلية الطب بجامعة جون هوبكينز، فإنّ الرجل الذي يبلغ وزنه المثالي 170 رطلاً، لكنّه يزن في الواقع 250 رطلاً، يحمل كميّة كبيرة من الدهون التي قد ينتشر الفيروس فيها، الأمر الذي يؤدّي إلى استجابة مدمّرة للجهاز المناعي.

ويقول كاس: "إذا كنت حقاً بديناً جداً، فإنّ الدهون تمثّل أكبر عضو في جسمك"، مضيفاً أنّ فيروس كورونا الجديد "يمكن أن يصيب هذا النسيج ويقيم هناك بالفعل". وتجدر الإشارة إلى أنّ البيانات تؤكد حاجة اللقاحات المضادة لكوفيد-19 وعلاجاته إلى مراعاة وزن المريض ومخزون الدهون في جسمه.

المساهمون