تراجعت أعداد أشجار النخيل العراقية بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل الاحتلال الأميركي عام 2003، في ظل استمرار الاستيلاء على الأراضي الزراعية من قبل جماعات تعمل لصالح بعض الأحزاب النافذة في البلاد، وتراجع مناسيب المياه، وتحويل معظم بساتين البلاد إلى أحياء سكنية بسبب الكثافة السكانية المتزايدة.
وتسبب هذا التراجع بأعداد أشجار النخيل في العراق في ارتفاع نسبة التصحر وتضرر البيئة وانهيار القطاع الزراعي وتحديداً التمور، علماً أن العراق كان في طليعة الدول العربية المنتجة والمصدرة له. لكن التردي في إدارة الملف أدى إلى اعتماد العراق على الاستيراد من إيران بعشرات ملايين الدولار سنوياً.
وأعلنت مديرية زراعة مدينة كربلاء، مساء أمس الاثنين، عن إجراءاتها لمواجهة فقدان مليون نخلة بسبب عمليات التفتيت وتجريف الأراضي الزراعي، مؤكدة أن "الهجرة من مناطق الجنوب إلى كربلاء أدت إلى إنهاك البساتين عبر تجريفها وتفتيتها إلى قطع سكنية صغيرة غير مخطط لها لناحية الطرقات والخدمات".
ويقول مدير زراعة كربلاء مهدي حسن الجنابي للوكالة الرسمية في العراق "واع" إن "الدائرة معنية بعملية التجريف والتفتيت التي تحصل في الأراضي الزراعية المتعاقد عليها مع المزارعين لفترات معينة والتي تسمى بالعقود الزراعية. أما بالنسبة للقطع المثقلة بحقوق التصرف (الطابو) فإن المعني بهذا الموضوع هي دائرة التسجيل العقاري وعقارات الدولة".
ويشير الجنابي إلى أن "دائرته تحمل على عاتقها هذا العبء عبر تشكيل لجان فرعية في كل شعبة زراعية اسمها لجنة التفتيت والتجريف مهمتها رفع الكشوفات في حال حدثت عملية تفتيت وتجريف في قطعة معينة، وإرسال الكشف إلى القانونية الموجودة في الشعب، وهي بدورها تعمل على رفع دعوى قضائية رسمية إلى المحكمة المختصة في ذلك المكان".
ويبين الجنابي أن "الإجراءات القانونية المتخذة بحق المجرفين لا تلبي طموحنا في إيقاف هذه الآفة التي آذتنا كثيراً، وأن عدد النخيل في كربلاء وصل سابقاً إلى أكثر من 3 ملايين و800 ألف نخلة. أما الإحصائية الرسمية المتوفرة لدينا في الوقت الحاضر فتشير إلى مليونين و800 ألف نخلة إلى 3 ملايين فقط، ما يعني أننا فقدنا قرابة المليون نخلة".
من جهته، يقول عضو اتحاد المزارعين العراقيين حسين العسكري إن "أسباباً كثيرة وراء تراجع أعداد النخيل، ولعل أزمة المياه وفتح باب الاستيراد من دون تخطيط هو أبرز ما أدى إلى تحويل الأراضي الزراعية إلى سكنية". ويؤكد لـ "العربي الجديد" أن "شخصيات حزبية استولت على الكثير من البساتين بغية الاستثمار فيها، وتحويل جنسها من زراعي إلى سكني، وتسبب هذا التحويل إلى جعل العراق متأثراً بكل المشاكل البيئية، وأبرزها التصحر".
يتابع العسكري أن "العراق تراجع أمام دول عربية كثيرة بسبب السياسات الحكومية الخاطئة في التعامل مع الملفات الزراعية والبيئية والسكانية، وتركت أصحاب رؤوس الأموال يعبثون بالأراضي الخضراء، حتى بات العراق متصحراً بشكلٍ غير مسبوق". ويبين أن "العراق كان يحتوي حتى العقدين الأخيرين نحو 30 نخلة، لكن الأعداد تراجعت إلى ما دون 15 مليوناً، وقسم كبير منها غير مصنف ضمن النخيل النشط أو المنتج".
وفي وقت سابق حمّل النائب في البرلمان العراقي رياض المسعودي وزارة الزراعة مسؤولية موت الملايين من أشجار النخيل. وقال المسعودي إن العراق يمتلك سبع طائرات زراعية فقط وهي لم تحلق سوى 500 ساعة منذ عام 2013.
واعتبر أن "قلة أعداد تلك الطائرات هي سبب موت الأشجار بكافة أنواعها لعدم وجود مكافحة جوية للآفات الزراعية التي انتشرت بشكل كبير.
من جانبه، يبين العضو السابق في لجنة الزراعة بمجلس النواب العراقي علي البديري أن "الدولة العميقة من العصابات والجهات المسلحة مسؤولة عن تدهور الوضع الزراعي، إذ إن هذه الجهات تعمل على منع دعم الفلاحين والمزارعين من جهة، وتقوية التجار المساهمين باستيراد المنتجات الزراعية سواءً المتراجعة في العراق، أو التي تعلن السلطات عن توصلها إلى الاكتفاء الذاتي منها".
ويؤكد لـ "العربي الجديد" أن "استهداف البساتين ونخيل العراق وتحويلها إلى أراضٍ سكنية ومنازل قليلة الكلفة ساهمت في رفد ميزانيات الأحزاب بمليارات الدنانير، وبعض هذه المبالغ توزع على مسؤولين في الدولة".
وكانت أعداد أشجار النخيل في العراق، وفق إحصائيات أجريت في سبعينيات القرن الماضي، تصل إلى حوالي 50 مليون نخلة، إلا أنّ الحروب والظروف الصعبة والحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي تسبب في تراجع العدد إلى حوالي 30 مليون نخلة بحسب إحصاء تقريبي أجري عام 2002، واستمر تناقص أعداد النخيل حتى وصل إلى 16 مليون نخلة فقط في عموم البلاد، وفق إحصاء عام 2014.