أكدت الحكومة العراقية أنها وضعت خططاً لإجراء تعداد سكاني إلكتروني خلال العام المقبل، لتوفير قاعدة بيانات دقيقة تغطّي مفاصل الحياة، وذلك بعد أكثر من عامين على إقرار الحكومة مشروعاً للتعداد. لكن الأزمة المالية وجائحة كورونا حالتا دون تنفيذه، عدا عن التقاطعات السياسية السابقة بشأن تضمين المذهب والديانة في خانة الإحصاء، وهو ما اعتبر ترسيخاً آخر للطائفية في البلاد.
ولم يستطع العراق إجراء تعداد سكاني بعد عام 2003 لأسباب غالبيتها مرتبطة بجوانب سياسية. ووفقاً لآخر تقديرات حكومية، فقد تخطى عتبة الأربعين مليون نسمة، وسط توقعات بأن يصل العدد عام 2030 إلى 50 مليون نسمة.
وخلال الفترة السابقة، ترأس رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي اجتماعات للمجلس الأعلى للسكان، وبحث إمكانية إجراء التعداد وأهميته الإدارية والتخطيطية، على اعتبار أنّ التعداد هو الأساس لأي بناء تنموي في البلاد، داعياً إلى تجاوز الصعوبات التي تعترض طريق إجرائه.
وزارة التخطيط العراقية، وفي بيان لها، أول أمس الأربعاء، أكدت حرصها على "تنفيذ التعداد العام للسكان، ووضعها خطة لإجرائه خلال العام المقبل، لا سيما بعد قرار مجلس الوزراء بتضمين موازنة عام 2022، التخصيصات المالية اللازمة لتنفيذ هذا المشروع المهم". وأشارت إلى أنّ "الهيئة العليا للتعداد التي يترأسها وزير التخطيط، وغرفة العمليات قررتا القيام بإجراء عدد من التجارب في مختلف المحافظات بهدف اختبار آليات العمل، لا سيما وأن التعداد سيكون إلكترونياً وبملاكات عراقية مائة في المائة".
وأكدت أنّ "التجربة ستنطلق في محافظة دهوك في الحادي والعشرين من الشهر الجاري، وستستمر لمدة أسبوعين، وأن المدير العام للإدارة التنفيذية للتعداد العام للسكان والمساكن في الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط بحث مع محافظ دهوك، استعدادات المحافظة الخاصة بإجراء التجربة في عدد من مناطق المحافظة".
وأشارت إلى أنّ "التجربة التي ستجرى في دهوك تعد التجربة السادسة بعد 5 تجارب أجريت في محافظات بغداد والبصرة والأنبار وكربلاء وأربيل، ومن المؤمل تنفيذ تجربة قريبة في محافظة القادسية، قبل نهاية العام الجاري، فيما ستشهد باقي المحافظات تجارب مماثلة خلال العام المقبل، وفقاً للخطة التي جرى إعدادها في هذا المجال".
من جهته، رحّب محافظ دهوك علي تتر باختيار محافظته لتنفيذ مثل هذه التجربة المهمة، مؤكداً، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء العراقية (واع) "الاستعداد الكامل للتعاون من أجل إنجاح التعداد العام للسكان بجميع مراحله". ووجه الجهات المعنية في محافظة دهوك إلى تقديم الدعم الممكن لفرق التعداد السكاني خلال عملها الميداني المقبل.
ويقول مسؤولون حكوميون إنّ التعداد سيساعد في وضع خطط تنموية واقتصادية واجتماعية مختلفة، إذ تعتمد البلاد حتى الآن على التقديرات السكانية ولا تمتلك رقماً محدداً لعدد المواطنين.
وأصرت خلال الفترة السابقة بعض القوى العراقية على إدخال فقرة "الطائفة" في استمارة الإحصاء، الأمر الذي عارضته قوى أخرى، واعتبرته ترسيخاً للطائفية في العراق، وطالبت بالاكتفاء بالديانة والقومية.
وتؤكد جهات سياسية أنّ بعض الأطراف ستمنع إجراء التعداد السكاني كونه يتعارض مع أجنداتها الخاصة. وقال عضو البرلمان السابق محمود عثمان، لـ "العربي الجديد"، إنّ "التعداد كان من المفترض أن يتم قبل إجراء الانتخابات، لكن هناك بعض القوى لا تريد ذلك، كونه يتعارض مع مصالحها الخاصة". وأكد على "صعوبة إجراء التعداد في البلاد، في ظل وجود تلك القوى التي ستمنعه بكل الطرق، ومهما كلفها ذلك".
وكان آخر تعداد سكاني أجري بالعراق عام 1987، ومنعت الخلافات السياسية بعد عام 2003 من إجراء أي تعداد، بسبب الخلافات بشأن كركوك والمناطق المتنازع عليها، والتغيير الديموغرافي التي طاول العديد من مناطق البلاد وفق أجندات قومية وأخرى طائفية، كما أن هناك خلافات تتعلق بإدراج القومية بين عربي وكردي وتركماني وآشوري، ضمن ورقة التعداد، وغيرها من المشاكل، التي حالت من دون إجرائه.
وتفتقر الوزارات العراقية لوجود قاعدة بيانات في كافة مجالات الحياة، والتي تحتاجها بوضع خططها المستقبلية في الصحة والتعليم والسكن والخدمات وغير ذلك.