أثار عضو البرلمان العراقي، رعد الدهلكي، ملف "التعذيب الممنهج" داخل سجن الحوت جنوبي العراق، بعد ما تحدث عمّا أسماه بـ"الإبادة الجماعية" داخل السجن، مؤكدا أن السجناء يفكرون في الانتحار للتخلص من التعذيب، فيما شكلت وزارة العدل لجنة للتحقيق بالملف.
ويقع سجن الحوت في مدينة الناصرية، ضمن محافظة ذي قار جنوبي العراق، ويضمّ نحو 40 ألف معتقل، وهو أكبر السجون العراقية بعد إغلاق سجن "أبو غريب"، ويلقّبه مراقبون بأنه السجن العراقي "صاحب الصيت السيئ".
وأصدر الدهلكي بياناً في وقت متأخر من مساء أمس، دعا فيه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووزير العدل خالد شواني إلى "التدخل العاجل وفتح تحقيق في ما يجري داخل سجن الحوت، بمحافظة الناصرية، من عملية إبادة ممنهجة من خلال التعذيب وحرمان السجناء من أبسط مقومات الحياة"، مؤكدا أن "هناك العديد من المناشدات التي وصلت إلينا من ذوي السجناء في سجن الحوت، يتحدثون فيها عن رغبة أبنائهم بالانتحار نتيجة لسوء المعاملة والتعذيب وغياب أبسط مقومات الحياة الإنسانية من مياه شرب أو طعام".
وأشار إلى أن "العراق عضو في منظمات حقوق الإنسان الدولية، وعليه التزامات أخلاقية وقانونية واجبة التنفيذ في الحفاظ على حقوق السجناء، وكما هو معمول في جميع بروتوكولات التعامل مع السجناء في دول العالم"، مشددا على أن "وصول مثل هذه الشكاوى بحاجة إلى متابعة وفتح تحقيق عاجل فيها، خصوصا أن السجناء يخشون تقديم شكاوى على الأشخاص الذين يمارسون تلك الأعمال البشعة تجاههم، خوفا من العقاب والانتقام".
وأفاد بأن "هذا الملف تنبغي متابعته من اللجان المعنية داخل قبة البرلمان والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لإيجاد معالجات حقيقية له، على اعتبار أن ما يجري هو جريمة إنسانية تخالف جميع الأعراف السماوية والقوانين الوضعية في حال ثبتت صحتها، فضلا عن أن وجود العديد من السجناء هم ضحية للمخبر السري والوشاية الكاذبة، معتبراً أن "إعادة النظر في جميع تفاصيل ملف السجناء أصبح أمرا ذا أولوية كبرى ينبغي التصدي له من جميع القوى السياسية الوطنية، وخلال وقت لا يتعدى ستة أشهر كحد أقصى لحسمه بشكل نهائي".
وزارة العدل، من جهتها، ردّت على الدهلكي، مؤكدة في بيان أمس، أنها "تتابع ببالغ الأهمية الادعاءات والملاحظات بكل ما يخص السجون التابعة لوزارة العدل"، مؤكدة "عدم وجود حالات التعذيب في السجون التابعة للأقسام الإصلاحية، واتخذنا وستتخذ إجراءات صارمة بحق كل من تثبت إدانته بخرق مبادئ حقوق الإنسان في الدوائر الإصلاحية".
وأشارت إلى أنها "من باب حرص الوزارة على حماية حقوق السجناء والتحقيق في كل ادعاء بهذا الشأن، سترسل لجاناً تحقيقية إلى سجن الناصرية للوقوف على صحتها"، داعية لجنة حقوق الإنسان البرلمانية والمفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية لـ"زيارة السجن للوقوف على صحة هذه الادعاءات، والاطلاع على الإجراءات التي اتخذتها وزارة العدل لردع كافة الانتهاكات".
من جهته، أكد رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، النائب أرشد الصالحي، أن "ملف السجون جزء من ملفات حقوق الإنسان البرلمانية، ولا أعتقد أن أي رئيس للوزراء يستطيع حله"، موضحا في تصريح متلفز، الأسبوع الماضي، أن "العراق وقع على الاتفاقيات الدولية وهو مساءل أمام المجتمع عن الخروقات، ونحن خلال زياراتنا إلى السجون حددنا الكثير من النقاط، لكن عند إثارة ذلك نُجابه بقوى سياسية تقف بوجهنا".
وكان المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب قد كشف في تقرير له، نهاية العام الماضي، رصد وفاة نحو 50 معتقلاً نتيجة "عمليات التعذيب والإهمال الطبي في السجون التابعة لحكومة بغداد"، وأضاف أنّه في المدّة المتراوحة ما بين يناير/ كانون الثاني الماضي وأغسطس/ آب الماضي، توفّي 49 معتقلًا؛ 39 منهم في سجن الناصرية المركزي، وثمانية في سجن التاجي (شمالي بغداد)، بالإضافة إلى توثيق حالة انتحار في مراكز شرطة إجرام الموصل في محافظة نينوى (شمال)، ووفاة واحدة في مركز تابع لمكافحة الإجرام في العاصمة بغداد.
كذلك، كشف المركز عن "احتجاز السلطات الحكومية عشرات الآلاف من المعتقلين في ظروف غير إنسانية، بوضعهم في زنازين مكتظة وغير مهيأة صحياً لسنوات عدّة بدوافع انتقامية وطائفية"، موضحاً أنّ "الظروف الصحية معدومة في معتقلاتهم، وأنّها ذات درجة حرارة ورطوبة عاليتَين، ما يؤثّر على صحتهم بشكل مباشر".
وملف السجناء بالعراق من الملفات المعقدة والتي تعاني من إدخال الممنوعات، وانتهاكات وخروقات واكتظاظ، ولا توجد إحصائية رسمية لعدد السجناء في البلد، لكن أرقاما متضاربة تؤكد أنها تقرب من مائة ألف سجين تتوزع على سجون وزارات العدل والداخلية والدفاع، إضافة إلى سجون تمتلكها أجهزة أمنية، مثل جهاز المخابرات والأمن الوطني ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي، وسط استمرار الحديث عن سجون سرية غير معلنة تنتشر في البلاد وتضم آلاف المعتقلين.
وتعاني السجون العراقية من إهمال كبير، وغياب للدور الرقابي من قبل الجهات الحكومية والجهات المسؤولة عن حقوق الإنسان، في وقت يجرى الحديث فيه عن سيطرة بعض الجهات السياسية على السجون.