يشهد العراق تفشياً لأمراض عدة في الآونة الأخيرة. ولم تسيطر البلاد بعد على فيروس كورونا الجديد وقد أعلنت أخيراً دخولها في الموجة الخامسة، وما زال الفيروس يحصد أرواح العراقيين وتزداد نسبة الإصابات به في ظل ضعف الإجراءات الحكومية الوقائية وتراجع مستوى الاهتمام الشعبي للوقاية منه. من جهة أخرى، تسبّب مرض الحمى النزفية في وفاة نحو 30 عراقياً في وقت تستمر البلاد في تسجيل المزيد من الإصابات به. كما توفي طفل في مدينة السليمانية في إقليم كردستان، وامرأة في مدينة كركوك (شمال العراق) بعد إصابتهما بمرض الكوليرا.
والأسبوع الماضي، أعلنت الحكومة المحلية في السليمانية حالة الطوارئ وشكلت لجنة عليا لمواجهة الكوليرا. وقال المحافظ هفال أبو بكر خلال مؤتمر صحافي، إن "السليمانية سجلت خلال الأيام الأخيرة أكثر من 4 آلاف إصابة بالقيء والإسهال، ويرقد 3965 منها في مستشفيات المحافظة ويخضعون للعلاج"، مطالباً "جميع المؤسسات الحكومية والمواطنين بالتعاون مع اللجنة العليا". وبحسب الجهات الصحية وخبراء، يعد التلوث أحد أكثر العوامل التي أدت إلى تفشي الكوليرا، عدا عن ضعف التدابير الصحية والإجراءات التي تساهم في الحد من انتشاره.
في السياق، تقول عضو الفريق الطبي في وزارة الصحة ربى فلاح إن "مرض الكوليرا متوطن وموجود، وهو ليس جديداً على العراق، وكان قد تفشى عام 2007. وسجلت البلاد آنذاك آلاف المصابين، وتسببت تلك الموجة بوفاة عراقيين". والكوليرا مرض شديد الفوعة إلى أقصى حد ويمكن أن يتسبب في الإصابة بإسهال مائي حاد، ويستغرق فترة تتراوح بين 12 ساعة و5 أيام لكي تظهر أعراضه على الشخص عقب تناوله أطعمة ملوثة أو شربه مياها ملوثة. وتوضح في حديثها لـ "العربي الجديد" أن "تلوث المياه هو أحد أكثر الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة به. بالتالي، هناك ضرورة للالتزام الوقائي منعاً للإصابة بالمرض، وهذه مسؤولية مجتمعية"، لافتة إلى إصدار وزارة الصحة جملة من التوصيات. وتقول إن "الكوليرا يظهر عادة في المناطق السكنية التي تعاني شحاً في مياه الشرب أو تنعدم فيها شبكات الصرف الصحي. وغالباً ما تصيب الحمى النزفية العاملين في قطاع تربية المواشي والجزارين، في حين أن الكوليرا يمكن أن تصيب الأطفال والبالغين على حد سواء، وقد تودي بحياتهم في غضون ساعات إن لم تُعالج".
وكانت وزارة الصحة قد أصدرت جملة من التوجيهات تشمل غسل اليدين جيداً قبل إعداد وتناول الطعام، وغسل الخضار والفاكهة بشكل جيد قبل تناولها، وطهي الطعام بشكل جيد، والاهتمام بنظافة المطابخ والحمامات، والتأكد من مصادر المياه المستخدمة للشرب والطبخ، وغلي المياه قبل الاستخدام، أو استخدام معقمات المياه.
كما تتوقع الوزارة ارتفاعاً في عدد الإصابات بالكوليرا في البلاد، بحسب المتحدث باسم الوزارة سيف البدر. ويقول لـ "العربي الجديد": "المرض ينتقل عبر الطعام والشراب الملوث من الشخص المصاب إلى الشخص السليم"، مؤكداً أن "كبار السن والأطفال هم الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالمرض. لذلك، هناك حاجة إلى تطبيق شروط السلامة والوقاية من الفيروس، وتحديداً الاهتمام بالنظافة الشخصية والمأكولات والمشروبات. وفي كل الأحوال، من غير المنطقي القول إن المرض قد تفشى لأن عدد الإصابات ما زال قليلاً".
من جهته، يقول الطبيب العراقي عبد الرزاق العميري إن "المؤسسات العراقية الصحية تسيطر حالياً على مرض الكوليرا، لكنها قد تفقد السيطرة على كورونا والحمى النزفية، لا سيما وأن هناك ارتفاعاً بأعداد المصابين بهما. لكن للأسف، لم نصل إلى مرحلة الحلول الاستباقية لأي أزمة، إذ إن دوائر الصحة في السليمانية كانت قد حذرت خلال الأسابيع الماضية من احتمال ارتفاع أعداد المصابين بالكوليرا، لكن السلطات العراقية لم تتعامل مع هذا الأمر إلى أن توفيت امرأة في كركوك". يضيف أن "مرض الكوليرا الحالي يختلف عن ذلك الذي تفشى عام 2007 في العراق. إلا أن المستشفيات العراقية تتعامل مع المرض بالعقلية القديمة نفسها. بالتالي، فإن بعض العلاجات قد تؤخر شفاء المريض".
يتابع في حديثه لـ "العربي الجديد": "التلوث في العراق أحد أكبر الأسباب التي تؤدي إلى تفشي الأمراض، وقد نشهد خلال السنوات المقبلة أمراضاً جديدة لأن الحكومات التي تعاقبت على الحكم في البلاد طوال الأعوام الماضية لم تهتم بتأسيس نظام صحي جيد، وانشغلت بالسياسة والصراعات ومعالجة المشاكل الأمنية، حتى وصل العراق إلى مرحلة غير عادية من تراجع خدمات الرعاية الصحية". ويشكو من "شح مياه الشرب وانقطاعها المتكرر خلال فصل الصيف خصوصاً، واضطرار الأهالي لشراء المياه من الصهاريج (ناقلات المياه) التي غالباً ما تكون ملوثة. لذلك، قد نشهد ارتفاعاً بأعداد المصابين في ديالى ومدن جنوب العراق، إلا إذا عالجت الحكومة مشاكل المياه الصالحة للاستخدام البشري".
من جهته، يؤكد الناشط البيئي محمد الأسدي أن "الملوثات ومخلفات المعامل في أنهر العراق، بالإضافة إلى عدم توفير شبكات الصرف الصحي بشكل جيد، والفساد في دوائر تنقية المياه على قلتها، كلها أسباب تجعل العراقيين عرضة للإصابة بالفيروسات والأمراض من ضمنها الكوليرا". يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "السلطات الصحية تطالب العراقيين بالتزام شروط السلامة. لكن في الحقيقة، فإنها مسؤولة عن تطبيق شروط السلامة، إذ إن من واجبها تعقيم المياه إلا أن الحكومات ترفض الاعتراف بفشلها".
وأدى نقص مياه الشرب النظيفة في العراق عام 2007 إلى تفشي الكوليرا، وقد أصيب نحو 7000 شخص بالمرض، ورصدت 10 وفيات، ما أجبر السلطات على بدء حملات التعقيم الأساسية للمياه، في وقت بقيت مناطق عدة من البلاد تشهد نقصاً في مادة الكلور الخاصة بالتعقيم، وعانى أهلها من مشاكل صحية كثيرة.
وينتشر الكوليرا في العديد من دول العالم بينها دول الشرق الأوسط. ويصيب المرض سنوياً بين 1.3 مليون و4 ملايين شخص في العالم، ويؤدي إلى وفاة ما بين 21 ألفا و143 ألف شخص.