العراق: طقوس متوارثة في عيد الفطر وتمسّك بالعادات
ما زال العراقيون يحافظون على طقوس عيد الفطر وتراثه في المدن، لا سيّما القديمة منها. ويتهيّؤون له من خلال تحضير ملابسه وأطعمته وزياراته وولائمه ونزهاته التي تكون في العادة جماعية يتشاركها الأقارب أو الجيران، على الرغم من تفاقم الأزمة المعيشية والمالية.
وفي الأيام الأخيرة من شهر رمضان، راحت شوارع البصرة والموصل وكركوك تُزَّين، كذلك الأمر بالنسبة إلى مدن أخرى مثل كربلاء والفلوجة والناصرية وبابل. ونُصبت في بعض الساحات والأحياء الشعبية ألعاب مختلفة مثل دواليب الهواء والنطاطات استعداداً لاستقبال الأطفال في العيد. وتُعرَف شعبياً بـ"الجوبة"، وهي أشبه بمدينة ألعاب بدائية ما زالت ترتبط بها ذاكرة المدن العراقية القديمة.
إبراهيم محمود موظف حكومي من سكان إحدى ضواحي بغداد الشرقية، يقول لـ"العربي الجديد" إنّه "على الرغم من اختفاء بعض الطقوس التي اعتدنا عليها في الصغر بالعيد، فإنّ كبار السنّ يحاولون جاهدين دفعنا إلى الحفاظ على ما تبقى من عادات وتقاليد، خصوصاً زيارة الأقارب وتبادل التهاني والمعايدة مهما بلغت المسافات أو قد يكون ذلك عبر الاتصال عن بُعد، فضلا عن توزيع العيدية على الأطفال والنسوة اللواتي لا يملكنَ أيّ دخل". يضيف محمود أنّ "الظروف أجبرتنا على الابتعاد عن مناطقنا، لذلك فإنّنا نفقد أهمّ جزء من الطقوس، وهو اجتماع العائلة كلها في منزلنا إذ إنّ والدي هو كبير إخوته وأخواته، وقد اعتدنا على تجهيز الفطور للأعمام والعمّات وأسرهم صبيحة العيد. أمّا اليوم، فنحاول جمع أكبر عدد من أفراد العائلة من بين الذين يسكنون بالقرب منّا، حتى لا نفقد هذا التقليد الذي كان الأجمل في العيد".
والتحضيرات لعيد الفطر، كما في كلّ عام، بدأت في مطلع الأسبوع الأخير من رمضان. وتحكي سعاد كاظم لـ"العربي الجديد" أنّ "النساء عمدنَ إلى حملات التنظيف الشاملة للمنازل، وتوجّهنَ إلى الأسواق من أجل شراء الثياب الجديدة، خصوصاً للأطفال، لأنّهم الأكثر شغفاً بالعيد". تضيف كاظم التي تعمل في شركة خاصة أنّ "ربّات البيوت بمعظمهنّ يجهّزنَ في هذه المناسبة الكليجة، وهي نوع من المعجّنات الشعبية الأكثر شهرة"، شارحة أنّها "تُصنع من عجينة الطحين والسمن والخميرة والمطيّبات مثل الهيل وحبّة البركة وحبّة الحلوى، وتُحشى في الغالب بالتمر والجوز (عين الجمل) أو الحلقوم أو مبشور جوز الهند والسمسم، علماً أنّها تقدّم مع الشاي بالهيل. كذلك تعدّ النساء أصنافاً أخرى من الحلويات والمعجّنات والعصائر".
وتلفت كاظم إلى أنّ "العراقيين في العيد يحرصون على التسامح والتصالح وحلّ خلافاتهم بين الأقارب والأصدقاء، حتّى أنّنا نتدخّل لمصالحة الجيران، ونحمل معنا هدايا في زيارات المعايدة. كذلك يتسابق الأطفال لجمع العيدية من الأقارب والتباهي في ما بينهم، لجهة من جمع العيدية الأكبر قبل أن ينفقوها في شراء الحلويات والألعاب أو في الملاهي والمتنزهات".
من جهتها، تقول إيمان مصطفى وهي ربّة منزل لـ"العربي الجديد" إنّه "على الرغم من أنّ العيد هو من أيام الفرح، فإنّنا كعراقيين، إلى جانب كلّ التحضيرات التي نقوم بها من تنظيف وتجهيز بعض الأطباق وخياطة أو شراء الملابس الجديدة، نحرص على زيارة المقابر وقراءة سورة الفاتحة لأعزاء فقدناهم، فنشركهم معنا في العيد إمّا قبل انتهاء شهر رمضان إذا كان عيد الفطر، وإمّا في يوم عرفة بالنسبة إلى عيد الأضحى. لكنّ الزيارة في الغالب تكون صبيحة يوم العيد، فتعمد الأمهات والزوجات إلى زيارة القبور وغسلها وإشعال البخور لتعطيرها، قبل التوجّه إلى بيوت الأقارب ومشاركتهم الفطور ومعايدتهم".
في سياق متصل، يقول الحاج حمدي الزيدي صاحب محلّ لبيع المواد الغذائية لـ"العربي الجديد" إنّه "في أواخر شهر رمضان، يبدأ الناس بحجز حصّتهم من القيمر ليتناولوه كفطور صبيحة يوم العيد، وهم لا يهتمون بسعره الذي يرتفع في الغالب من المصدر بسبب كثرة الطلب عليه. وفي حال لم يحصل العراقي على القيمر الذي أوصى به البائع، فإنّ ذلك يجعله يغضب ويتذمّر". فالقيمر يُعَدّ وجبة الفطور الرئيسية عند العراقيين صبيحة العيد، لذا قد ينفد من الأسواق قبل حلوله.
وفي صبيحة يوم العيد، يتوجّه العراقيون ومعهم أطفالهم عند الفجر إلى المساجد للمشاركة في صلاة العيد وخطبته، وبعدها يقصدون بيت العائلة، أي عند الجدّ والجدّة أو العمّ الأكبر أو الخال الأكبر، حيث يكون الفطور الذي لا يخلو من القيمر والكاهي (القشدة مع رقائق بالعسل) إلى جانب المعجنات والألبان.