ساهم الجفاف في نهر ديالى، شرقي العراق، الناتج عن قطع إيران عدداً من روافد النهر وتحويل مجرى أخرى خلال الأشهر الماضية، في ظهور هياكل عظمية وبقايا بشرية في قاع النهر الذي انحسر في بعض مناطقه بالكامل.
وأظهرت مقاطع مصورة نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ومنصة "يوتيوب" العثور على هياكل عظمية وجماجم بشرية في نهر ديالى، بعضها كانت مثقوبة من جراء الرصاص، بالإضافة إلى ملابس عدد من الضحايا. وأقدم الناشطون على جمع بعض هذه الهياكل وتكفينها وإعادة دفنها من جديد، وطالبوا الأجهزة الأمنية بالتحقيق في الأمر، إذ يُرجّح أنها تعود لأشخاص قضوا خلال فترات التوتر الأمني والطائفي في البلاد خلال السنوات الماضية.
ويقول محمد خلف التميمي، وهو أحد الناشطين المشاركين في عملية البحث، إن "الهدف من البحث هو تصوير الكارثة البيئية التي حلّت بنهر ديالى، ونفوق الحيوانات، لكن المفاجأة تمثلت بالعثور على عدد من الهياكل العظمية"، مؤكداً أن "البحث مستمر منذ 10 أيام، وقد وجدنا هياكل عظمية وبقايا بشرية أخرى".
ويلفت إلى أن "فريقنا البحثي غير مخوّل بنقل الهياكل العظمية إلى دوائر فحص العظام التابعة للطب العدلي خشية المحاسبة القانونية، وخصوصاً بعدما تلقينا عدداً من الرسائل التي تحذرنا من النبش. لذلك، اكتفينا بدفن الهياكل التي عثر عليها"، يضيف: "تبين أن بعض الهياكل العظمية تعود لضحايا تعرضوا لإطلاق نار في الرأس، وتبين أن أخرى كانت عرضة لجرائم قتل متعمدة، وقد أخفى القاتل الجثة في النهر".
ويقول مسؤول أمني عراقي في ديالى لـ"العربي الجديد"، إنه "تم قتل الضحايا قبل سنوات عدة، ولا يمكن تحديد هوياتهم بشكل دقيق، لكن يظهر أنهم أعدموا وتم رميهم بشكل مباشر في النهر"، مؤكداً أن "الشرطة والأهالي يعثرون من حين إلى آخر على عظام بشرية في نهر ديالى ومناطق أخرى نتيجة الجفاف. وهناك مؤشرات إلى أن الكثير من هؤلاء الضحايا قتلوا من قبل مليشيات نافذة في المحافظة".
من جهته، يوضح الناشط البيئي أحمد علاء، وهو من بغداد، أن "مقاطع الفيديو تدفعنا إلى التساؤل عن عدد العراقيين الذي ألقوا في الأنهر خلال السنوات الماضية، لا سيما في السنوات التي أعقبت الاحتلال الأميركي"، ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "معظم الأنهر في العراق تواجه الجفاف، وقد يكون نهر دجلة في بغداد الأكثر تضرراً وقد ظهرت فيه هياكل عظمية، بالإضافة إلى نهر الفرات من جهة محافظة بابل. لذلك، هناك حاجة إلى فتح الملف حكومياً والتعرف إلى الضحايا".
من جهته، يقول مسؤول في وزارة الموارد المائية رفض الكشف عن اسمه، إن "الوزارة غير معنية بالبحث عن الهياكل العظمية في الأنهر التي تعرضت للجفاف"، ويوضح لـ"العربي الجديد"، أنه "يتوجب على القوات الأمنية والقضاء ودوائر الطب العدلي تشكيل لجنة للبحث في هذا الملف الجنائي. وتدعم الوزارة أي جهود في هذا الصدد. ولم يُفتح حتى اللحظة ملف الهياكل العظمية على المستويين الأمني أو القضائي".
ونهر ديالى هو أحد الروافد الخمسة لنهر دجلة، الذي يتكون من التقاء نهري سيروان وتانجرو في بحيرة دربندخان في محافظة السليمانية، شمال العراق. ويمر النهر عبر إيران والعراق ويبلغ طوله الإجمالي 445 كيلومتراً. وينبع النهر من جبال زاكروس يومر بمحاظة ديالى ويصب في نهر دجلة، جنوبي العاصمة بغداد، وشهد خلال العامين الماضيين تراجعاً كبيراً في منسوب المياه فيه، إلا أنه جفَّ تماماً خلال الأشهر الماضية.
ودفع شح المياه الحكومة العراقية إلى تقليص المساحات المزروعة بنسبة 50 في المائة خلال العام الحالي. وقال البرلمان العراقي أخيراً إنه أمر بتشكيل وفد نيابي للتوجه إلى العاصمتين التركية والإيرانية أنقرة وطهران، لبحث أزمة المياه وحث البلدين على تقاسم الضرر مع العراق.
وكان وزير الموارد المائية العراقي مهدي الحمداني قد أعلن في حديث سابق لـ"العربي الجديد"، أن بلاده تواجه وضعاً مائياً "صعباً للغاية" بسبب سياسة إيران في الفترة الأخيرة تجاه العراق، وقطعها عدداً من روافد الأنهار وتحويل مجرى أخرى، لافتاً إلى الإخفاق في التوصل إلى اتفاق معها. في المقابل، شهدت الاجتماعات مع الجانب التركي تقدماً في ملف المياه وتجاوباً.
وكانت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق جنين هينيس-بلاسخارت قد دعت أخيراً جيران العراق إلى بدء حوارات حول تقاسم المياه، في ظل أزمة مائية ضربت العراق منذ العام الماضي نتيجة تراجع الإيرادات المائية التي تأتي من إيران وتركيا.
وتفاقمت أخيراً حدة أزمة المياه في العراق نتيجة تراجع مستويات نهري دجلة والفرات وشحّ الأمطار، ما تسبب بانخفاض مخزون المياه في البحيرات والسدود العراقية بأكثر من 70 في المائة من طاقتها الإجمالية.