تبلغ حالات الطلاق في العراق مستويات عالية وغير مسبوقة، فهناك أكثر من 274 طلاقاً في اليوم الواحد، أي ما يعادل 11 طلاقاً كلّ ساعة، بحسب إحصاءات رسمية لموقع مجلس القضاء الأعلى العراقي. سجلت المحاكم خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي 8245 طلاقاً، ما يعني أنّ العدد ازداد 3181 طلاقاً، بالمقارنة مع الشهر نفسه عام 2019، حين سجل 5064 طلاقاً. في المقابل، بلغ عدد عقود الزواج لنوفمبر/ تشرين الثاني 2020، نحو 38 ألف عقد، فيما بلغ في الشهر نفسه العام قبل الماضي نحو 25 ألفاً.
باحثون عراقيون يشيرون إلى أنّ أبرز أسباب هذه الظاهرة سوء الأوضاع المعيشية والضغوط النفسية على الأسرة العراقية، بالإضافة إلى الزواج المبكر وقلّة خبرة الشريكين في التعامل مع مصاعب الحياة، وسوء استخدام الإنترنت الذي ولّد مشاكل كثيرة، أبرزها الشك والاتهامات المتبادلة بالإهمال وعدم الاهتمام.
تضيف الباحثة الاجتماعية رؤى مهدي، خلال حديثها لـ"العربي الجديد"، أسباباً أخرى، مثل "عدم توفر السكن، وبالتالي عدم استقلال الزوجين وسكنهما مع الأهل، تدهور الحالة الاقتصادية وكثرة الفقر والبطالة". لكنّ مع هذه الأسباب المتعارف عليها، ظهرت أسبابٌ أخرى تتعلّق بالوضع السياسي والأمني. وتقول مهدي: "بعض الحالات التي تصل إلى مركزنا، تُقدّم فيها الزوجة دعوى طلاق بسبب أنّ زوجها مُتّهم بالانتماء إلى تنظيم داعش، أو مسجون بتهم الإرهاب ولمدّة طويلة، وأنّ الزوجة لن تستطيع رعاية اسرتها ما لم تتخلص من عصمة الزوج". وتضيف مهدي، التي تعمل باحثة في مركز الاستماع والإرشاد القانوني في ديالى: "سجلنا في مركزنا هذا العام، 279 حالة لامرأة تحتاج إلى دعمٍ نفسي وقانوني. من هذا العدد هناك 27 طلاقاً. وهناك حالات أخرى لفسخ عقد الزواج، وهي عادة ما تكون خارج المحكمة لأنّها في الأصل تمّت عند مأذون شرعي وخارج المحكمة ولم يتم تصديقها بعد. هذه الحالات لو أضيفت إلى تلك التي تمّ احصاؤها في المحاكم سترتفع نسبة حالات الطلاق إلى ارقام مخيفة". وتوضح مهدي، أنّ فيروس كورونا تسبّب أيضاً بنسبة كبيرة من حالات العنف والطلاق بين الأسر العراقية. وتتابع: "غياب التوعية الأسرية للمقبلين على الزواج ساهم أيضاً بزيادة الطلاق، ولا نغفل تغير بعض عادات المجتمع العراقي. تراجع الرأي الذي يقول إنّ في الطلاق وصمة عار وإنّ المرأة لا يمكن أن تنفصل عن زوجها، مهما بلغت الأسباب، ولم يعد الطلاق مستهجناً داخل المجتمع". وللحدّ من هذه الظاهرة، تلفت مهدي إلى أنّه "يُمكن للمحاكم العراقية إلزام الزوج بدفع مؤخر مع كامل حقوق الزوجة، في حال وافق على طلاقها. كذلك منع التلاعب بمثل هكذا قرار، في حال تم إقراره، وهو إن لم يدفع للزوجة حقوقها، يُلزم بدفع ما يعادله إلى المحكمة. هذا الإجراء سيحدّ من الطلاق بشكلٍ كبير أو على الأقلّ يضمن للمرأة بأن تخرج بأقلّ الخسائر عند انفصالها".
تقول سعاد عيد (37 عاماً)، من سكان مدينة الرمادي، غربي العراق: "لم أصدّق ما سمعته من زوجي. طلبت منه أن يطلقني إن لم يزد مصروف البيت اليومي إلى 50 ألفاً (نحو 34 دولاراً) بدلاً من 30 (نحو 20 دولاراً). لكنّه سرعان ما قال لي: أنتِ طالق". تضيف: "أؤدي كلّ المهام في البيت وأصرف كلّ راتبي الذي لا يكفي لدفع إيجار البيت ومصروف عائلة مكوّنة من خمسة أشخاص، مع مصاريف مدارسهم وعلاج من يمرض منهم، فضلاً عن باقي الاحتياجات اليومية. كلّ ذلك أتحملّه، وحين طلبت من زوجي (طليقي حالياً)، أن يزيد المصروف أو يطلقني اختار أن يطلقني. ترك لي أبناءنا لتربيتهم من دون الاهتمام بأيّ تفاصيل أخرى". تتابع عيد: "بعد مدّة طلب أن يعيدني إلى عصمته، لكنّني رفضت لأنّ طلاقنا لم يغير أيّ شيء فيه. اعتاد أن يجد كلّ شيء متوفراً من دون أن يحرك ساكناً أو يتحمل مسؤولية أسرته".
أما سوسن نعيم (57 عاماً) فقد انتظرت أكثر من عامين للحصول على حكم الطلاق، وتقول لـ"العربي الجديد": "بعد زواج دام أكثر من 30 عاماً، لم أكن حينها قادرة على اتخاذ قرار الطلاق، إذ كان أهلي في كلّ مرة، يرفضون ذلك، بسبب التقاليد العائلية، تمكنت من ذلك". تضيف: "تحمّلت خلال تلك الأعوام أسوأ معاملة زوجية مع بخل شديد، وخيانة زوجية، وعدم الإنجاب، ومشاكل يومية. مع كلّ ذلك، تعمّد طليقي أن يجعلني أدخل المحاكم، ليس حرصاً منه على عدولي عن قرار الطلاق إنّما حتى أتنازل عن كامل الحقوق. وبالفعل، تنازلت عن كلّ شيء، ورغم ذلك عاد ينقض قرار الخلع. وحتى الآن لم أحصل على قرار الطلاق".
وتكشف المحامية غفران علوان، أنّ "القضاء العراقي شكّل مكاتب بحث اجتماعي داخل المحاكم. عمل الباحث يكون الصلح بين الزوجين. أحياناً ينجح الباحث في ثني الزوجين عن قرار الطلاق وأحياناً لا يمكن مع كلّ الوسائل جعلهما يغيّرون قرارهما. لذلك، تشهد المحاكم العراقية قضايا طلاق تكاد توازي عقود الزواج، حتى أنّ الكثير من حالات الزواج تنتهي باكراً إلى معاملات طلاق داخل المحاكم العراقية". وتؤكد علوان لـ"العربي الجديد" أنّ الكثير من الأزواج يماطلون لأشهرٍ وحتى لسنوات في إجراءات الطلاق.