بعد عامين على حرمانهم من الاحتفال بأهم أعيادهم القومية نتيجة تداعيات تفشي فيروس كورونا الجديد، يعود العراقيون الأكراد للاحتفال بعيد نوروز هذا العام على مدى أيام عدة بدءاً من ليلة اليوم. وأعلنت حكومة إقليم كردستان تعطيل الدوام الرسمي في عموم الإقليم بمناسبة احتفالات عيد النوروز، بدءاً من اليوم الأحد 20 مارس/ آذار وحتى يوم الخميس الموافق الـ24 منه، في دوائر ومؤسسات حكومة الإقليم.
ويعود الاحتفال بعيد النوروز إلى تاريخ سقوط الإمبراطورية الآشورية على يد الميديين (أسلاف الأكراد)، على يد كاوا الحداد الذي خرج إلى الجبل وبيده شعلة نار لإرسال إشارة النصر إلى الناس بحسب الرواية الكردية لشرح تاريخ عيد النوروز. وأطلق الثوار في حينها "نوروز" على يوم الانتصار، الذي يعني يوم جديد. ويبدأ الاحتفال بهذه المناسبة من خلال إشعال النار على قمم الجبال والمرتفعات من خلال مشاعل يحملها المحتفلون بالعيد. كما يحملون المشاعل ويسيرون في الطرقات والأحياء السكنية والقرى، ما يعكس مظاهر الفرح. وعادة ما يعلق المواطنون الزينة في منازلهم وشوارعهم في وقت تزدحم الأسواق بالناس لشراء الحلويات والملابس التقليدية لجميع أفراد الأسرة.
ويقول الباحث الأكاديمي الكردي فرهاد عبد الرحيم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "نوروز يمثل هوية ورمزاً ضد الظلم والتسلط، وهو بمثابة تجديد سنوي لرغبة الإنسان الأزلية في التحرر والعيش الكريم"، مشيراً إلى أنه "عيد مهم لدى الأكراد، إذ يرمز إلى القومية الكردية وعلاقتها بالظلم والاضطهاد الذي يعتقد الأكراد أنهم عاشوه فترة طويلة". ويوضح أن "الأجيال الكردية تربت على حب هذه المناسبة والتعلق بها، والأجيال اللاحقة كذلك"، مضيفاً أن "الأكراد الملتزمين دينياً من المسلمين والمسيحيين يحتفلون بالنوروز، ويعتبر كثيرون أنه لا يقل شأناً عن أعيادهم الدينية".
يتابع: "نشجع أطفالنا على الاحتفال بعيد النوروز. يجب أن نكرس لديهم عدم الخضوع للظالمين مهما كان حجم هذا الظلم ومصدره"، لافتاً إلى أن "إسم كاوا شائع بين الأكراد، وهذا دليل على تأثير هذه الشخصية الأسطورية داخل المجتمع الكردي. لذلك، تجد الأكراد هذا العام متلهفين بشكل أكبر من كل عام لإحيائه نظراً لتعليق الاحتفالات بسبب كورونا". ويتحول
كل مكان في إقليم كردستان إلى مظهر من مظاهر الاحتفال حين تحل هذه المناسبة، لكن تبقى الساحات العامة والجبال والمنتزهات والمناطق المفتوحة في سفوح الجبال ومحيط المدن، والتي تكتسي في هذا الوقت من العام بالأخضر مع بدء فصل الربيع، الأكثر جذباً للمحتفلين.
ويقول عمر هلكرد الذي يدير فرقة للموسيقى الشعبية، لـ "العربي الجديد"، إن "احتفالات النوروز تعد أهم موسم بالنسبة إلى الفرق الموسيقية. جميع الفرق تزيد من عدد أعضائها وتجهز آلاتها الموسيقية. وتعمل الفرقة ما بين 15 إلى 18 ساعة عمل يومياً، وهي عادة تزيد عدد أعضائها لتغطية طلبات المحتفلين".
ويوضح: "في كل موسم، أستعين بعازفين لهذا الغرض، وأقسم فرقتي إلى سبعة فرق. يومياً، تحيي الفرقة الواحدة أربع إلى خمس حفلات. وتستمر الحفلة الواحدة من ثلاث إلى أربع ساعات. وأحياناً، يتم حجز الفرقة الواحدة ليوم كامل من قبل مجموعة عائلات". يتابع هلكرد: "تراجع عملنا كثيراً خلال العامين الماضيين بسبب تفشي فيروس كورونا الجديد. أعتقد أن هذا العام سيكون أكثر قوة، إذ إن الناس متلهفون جداً للاحتفال بالمناسبة".
وعلى الطرقات، تمكن مشاهدة تجمعات بشرية متفرقة تتوسطها شعلة نار وهم يمارسون الرقصة الشعبية الكردية المعروفة بالدبكة، والتي تجمع النساء والرجال. وغالباً ما يرتدي الناس أزياء تقليدية تراثية، ويشكلون سلسلة بشرية مترابطة تتكون أحياناً من عشرات الأشخاص، يرقصون الدبكة على أنغام موسيقى فرقة غالباً ما تتكون من عضوين، يعزف أحدهما على الطبل والآخر على المزمار. ولا تختلف المعزوفات كثيراً بعضها عن بعض، وكلّها تجعل المواطنين قادرين على رقص الدبكة.
وتلجأ تجمعات أخرى إلى بعض الأغنيات المسجلة التي تبث عبر مكبرات الصوت ويرقص الناس الرقصة الفلكلورية. ولا يمكن أن تغيب شعلة النار الكبيرة عن هذا الاحتفال، ويعد إيقادها جزءاً أساسياً من احتفالات النوروز.
من جهتها، تقول نرمين حاجي أحمد، التي تقيم في بلجيكا وتعود أصولها إلى مدينة السليمانية التي غادرتها منذ أكثر من عشرين عاماً برفقة زوجها الذي يعمل مهندساً في شركة اتصالات بالعاصمة بروكسل، إنها تحرص وزوجها على الحضور إلى السليمانية في احتفالات النوروز. وتقول لـ"العربي الجديد" إن المغتربين الأكراد يتعمدون إنهاء التزاماتهم وتأجيل مواعيدهم عند حلول النوروز للمجيء إلى كردستان العراق وحضور الاحتفالات، التي تجمعهم أيضاً بأهاليهم ومعارفهم.
تضيف: "ظروف كورونا حرمتني وعائلتي على مدى عامين متتاليين من زيارة بلدنا وحضور العيد الأحب إلى قلوبنا"، مشيرة إلى أن "الأكراد في بلجيكا وفي دول أوروبية وأميركا يحيون احتفالات النوروز، لكنها تعد بسيطة ومحدودة وداخل نطاق ضيق. لكن يبقى للاحتفالات في كردستان طابعها الخاص، إذ إن الناس جميعهم يحتفلون".
وليس الأهالي هم من يقيمون احتفالات بهذه المناسبة فحسب، إذ إن السلطات المحلية في إقليم كردستان العراق، المؤلف من ثلاث محافظات (أربيل والسليمانية ودهوك)، تحيي حفلات بهذه المناسبة. وفي وقت سابق من مارس/ آذار الجاري، أعلن محافظ أربيل أوميد خوشناو استئناف مهرجان النوروز، وتوقع وصول أعداد كبيرة من السياح خلال أيام عيد النوروز من وسط وجنوب البلاد، مؤكداً تقديم كافة التسهيلات الممكنة لهم.
وكونها مناسبة سعيدة تتخللها احتفالات لأيام عدة، يجذب عيد النوروز سياحاً من مختلف مدن العراق نحو مدن إقليم كردستان، الأمر الذي يعد موسماً مهماً للسياحة. ويقول عدنان شاهر الذي يدير فندقاً سياحياً في أربيل، لـ "العربي الجديد"، إن "العامين الماضيين كانا الأكثر اختلافاً عن أعوام سابقة في هذا الوقت من العام، حيث منعت الظروف الناجمة عن انتشار كورونا إقامة احتفالات النوروز، الأمر الذي أدى إلى توقف قدوم السياح والزوار من محافظات العراق الأخرى".
وعلى خلاف العاميين الماضيين، أكد شاهر أن كثيراً من الفنادق في كردستان لن تستطيع استقبال نزلاء جدد خلال أيام الاحتفالات بسبب وجود حجوزات مسبقة لهذه الأيام، وجميعها من محافظات العراق المختلفة وخصوصاً بغداد.