مع بدء شهر رمضان، واجه الغزّيون تفشياً جديداً لفيروس كورونا، وساهمت الإجراءات الوقائية التي فرضتها السلطات الصحية في القطاع، من بينها إغلاق المنشآت التجارية وحظر التجول الليلي وغيرها، في تراجع أعداد الإصابات بالفيروس من 1900 إصابة إلى 500 إصابة يومياً خلال الأسبوع الأخير من الشهر. إلّا أنّ العدوان الإسرائيلي الذي يشهده القطاع في الوقت الحالي أعاد قلب الأمور رأساً على عقب، إذ يواجه القطاع الصحي ضغوطاً كبيرة، هو الذي يستقبل جرحى العدوان ومرضى كورونا في آن، ويسعى إلى إنقاذ أرواح الجميع، بما تيسّر.
عدد فحوصات كورونا التي تجريها وزارة الصحة قليلة جداً في الوقت الحالي، وقد أجرت يوم الجمعة الماضي (14 مايو/ أيار الجاري) 211 فحصاً فقط، سجلت منها 54 إصابة بالفيروس. وقبل بدء الاجتياح الإسرائيلي، كان يجرى ما بين 2500 و4000 فحص يومياً. وتراجع عدد الفحوصات بسبب العدوان الإسرائيلي، الأمر الذي يُنذر بخطر إضافي.
يقول الطبيب العام أحمد أبو ندا الذي يعمل في مجمع الشفاء الطبي إن العدوان الإسرائيلي الذي يعيشه الغزيون اليوم يدفعهم لعدم التوجه إلى المستشفيات لإجراء الفحوصات، حتى لو ظهرت أعراض على بعضهم، خصوصاً بعدما انعدمت إجراءات الوقاية. في هذا الإطار، يواجه الطاقم الطبي ضغوطاً نفسية خلال العمل، على اعتبار أن القطاع يعدّ بيئة خصبة لانتشار الأمراض.
ويقول أبو ندا لـ "العربي الجديد": "لا نستطيع الطلب من أحد بأن يرتدي الكمامة خلال دخوله إلى قسم الطوارئ أو غيره من الأقسام. في كل الحروب الإسرائيلية التي واجهناها خلال 2009 و2012 و2014 واليوم، أقول إن الخوف أكبر بكثير في الوقت الحالي. قبل أن أكون طبيباً، أنا أب أخاف على أبنائي الموجودين في المنزل من احتمال الإصابة بكورونا، كما أخاف على المرضى من كورونا والاحتلال الإسرائيلي. نتعرض لحرب إبادة جماعية في أسوأ الظروف النفسية والصحية".
ويلاحظ أبو ندا أن استهدافات الاحتلال الإسرائيلي في هذه الحرب مختلفة عن الحروب السابقة، لافتاً إلى أن الغارات بمعظمها مسائية وبالمئات، ما يؤدي إلى نقل أعداد كبيرة من الجرحى والحالات الخطرة إلى المستشفيات في وقت واحد، الأمر الذي يؤثر على سير عمل الأطباء في ظل الضغط الكبير. وفي بعض الأحيان، تفرغ مخازن المستشفى في ساعات قليلة من جراء ارتفاع أعداد الإصابات.
قطاع صحي جريح
من جهته، يقول وكيل وزارة الصحة في غزة يوسف أبو الريش إن القطاع الطبي جريح لأن الاحتلال الإسرائيلي يمعن في استهداف المدنيين العزل الآمنين في منازلهم بأشد أنواع الأسلحة فتكاً وتمزيقاً لأجساد الأطفال والنساء، بالإضافة إلى تشريد المئات. ويلفت إلى أن الاحتلال شنّ حرب إبادة بحقّ عشر عائلات، ما أدى إلى سقوط 38 شهيداً، منهم 21 طفلاً و11 امرأة عدا عن عشرات الإصابات. ويُحذّر من خطورة الوضع الصحي في مراكز الإيواء التي فتحت لاستقبال العائلات التي فقدت منازلها من جراء العدوان المتواصل وسط ظروف صحية صعبة، الأمر الذي يُنذر بكارثة صحية وزيادة تفشي فيروس كورونا.
يضيف أبو الريش لـ "العربي الجديد": "قبل العدوان، كنا نواجه تفشياً لكورونا والقطاع الطبي كان متضرراً أصلاً. ومع بدء الاجتياح الإسرائيلي، قد نكون أمام موجة ثالثة من الوباء لا يمكن توقع نتائجها، على اعتبار أنه لا يمكن فرض سياسة التباعد الاجتماعي والأمن الطبي المجتمعي على المواطنين الذين يواجهون إبادة جماعية في ظل استهداف أبراج تضم عشرات الوحدات السكنية". ويرى أن العدوان الإسرائيلي على القطاع يُهدّد وزارة الصحة في مواجهة وباء كورونا. وعليه، تواجه الفرق الطبية صعوبة في التحرك لمتابعة المعزولين في منازلهم وإجراء الفحوصات المخبرية واستكمال برنامج التطعيم ضد الفيروس. كذلك، هناك صعوبة في الوصول إلى أصحاب الأمراض المزمنة الذين ليس في استطاعتهم الوصول إلى مراكز الرعاية الصحية في ظل كثرة الدخول إلى أقسام العناية المركزة في المستشفيات.
إلى ذلك، يوضح الناطق باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، أن القطاع الطبي في القطاع كان يعاني قبل العدوان نقصاً حاداً في الأدوية والمستلزمات الطبية ولوازم المختبرات وبنوك الدم، بالإضافة إلى استنزاف قدراته المحدودة أصلاً في ظل تفشي الجائحة، وبالتالي استنزاف المقومات الصحية الأساسية بالتوازي مع نقص الإمدادات الطبية، سواء من السلطة الفلسطينية أو الدول المانحة.
نقص في المستلزمات الطبية
قبل بدء العدوان، كانت وزارة الصحة تعاني نقصاً حاداً في 45 في المائة من الأدوية، و33 في المائة من المستلزمات الطبية، و56 في المائة من لوازم المختبرات وبنوك الدم. يوضح القدرة أن هذا النقص كان يتسبب في حرمان نصف مرضى قطاع غزة من حقهم في العلاج. ومع بدء العدوان الإسرائيلي، تم تفعيل خطّة الطوارئ للتعامل مع الحالات الصحية ضمن الإمكانات المحدودة نتيجة عدم وجود خطة موازية لدعم وزارة الصحة.
وتحرص وزارة الصحة في غزة على استمرار عمل واستنفار الطواقم الطبية والإسعافية خلال العدوان، ومواجهة الجائحة في أقسام العزل، وتقديم الخدمات الطبية الاعتيادية، مثل التوليد وغسل الكلى وغيرهما من الخدمات. يقول القدرة لـ "العربي الجديد": "المتغيرات الناتجة عن العدوان الإسرائيلي جعلت المستلزمات الصحية تستنزف بشكل متسارع، وبالتالي زاد نقص الأدوية بنسبة 52 في المائة. وكلما زاد العدوان الإسرائيلي، سنفقد كميات أكبر من الأدوية والمستلزمات الطبية".
يضيف: "ساهم استهداف مستشفى بيت حانون ومحيط المستشفى الإندونيسي يوم الأربعاء الماضي في 12 مايو/ أيار، في إخافة الغزيين، وبالتالي لم يعودوا يتوجهون إلى المستشفيات لإجراء فحوصات كورونا، علماً أن البعض يعاني بسبب تفاقم أوضاعه الصحية، كما أن بعض المرضى يعانون أمراضاً مزمنة ويحتاجون إلى متابعة صحية مستمرة".
يُشار إلى أن الفرق الطبية الخاصة بالطب الوقائي وتلك المعنية بإجراء فحوصات ميدانية وعشوائية لم يعد بمقدورها العمل كما في السابق، الأمر الذي يحدّ من القدرة على مواجهة الجائحة والحد من أعداد الإصابات.