استمع إلى الملخص
- وزير الداخلية أعلن عن فتح مدارس ومعاهد لإيواء النازحين، فيما أصدرت اللجنة الوطنية لائحة بمراكز الإيواء البديلة، لكن كثيرين ما زالوا عالقين بسبب القصف أو نقص وسائل النقل.
- رئيس مركز صور للدفاع المدني وصف الأوضاع بالكوارثية، مع تدخل فرق الإغاثة وامتلاء مستشفيات صور بالمصابين، بينما يعاني المواطنون من صعوبة في إيجاد مساكن للإيجار.
منذ صباح اليوم، نزحت آلاف العائلات من جنوب لبنان وسط الغارات العنيفة التي تنفّذها المقاتلات الإسرائيلية عليه، في حين سُجّل هلع بين المواطنين الذين اعتادت إسرائيل تهجيرهم. يأتي ذلك مع توسّع رقعة العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، الذي تخطّى قواعد الاشتباك وراح يطاول الأحياء السكنية في معظم القرى والبلدات الجنوبية، علماً أنّه يستهدف أيضاً مهجّرين على طرقات النزوح.
ويشهد الطريق البحري من الجنوب في اتجاه بيروت زحمات سير خانقة، كذلك الأمر بالنسبة إلى طرقات أخرى ما بين البلدات والقرى التي ينزح أهلها، ومدينتَي صور وصيدا الجنوبيّتَين. فكثيرون من أهالي بلدات الجنوب وقراه المستهدفة تركوا منازلهم وحملوا أولادهم وما تمكّنوا من متاع، وانطلقوا إلى المناطق التي قد تُعَدّ "آمنة" حتى الآن. كثر من هؤلاء لا يملكون أماكن تؤويهم، غير أنّ خيار البقاء ليس متاحاً لهم وسط الغارات الإسرائيلية العنيفة.
وفي حين أعلن وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي عن فتح عدد من المدارس والمعاهد لإيواء النازحين الذين هجّرهم العدوان الإسرائيلي، كانت مبادرات من مواطنين وجمعيات لاستقبال نازحين. إلى جانب ذلك، فإنّ كثيرين ما زالوا عالقين في بلداتهم وقراهم، إمّا لصعوبة الخروج منها بسبب القصف العشوائي المتواصل وإمّا لعدم توفّر وسائل نقل أو أماكن إيواء. كذلك أصدرت اللجنة الوطنية لتنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات لائحة بمراكز الإيواء البديلة المعتمدة في مختلف المحافظات اللبنانية، مع أرقام ساخنة حتى يتمكّن النازحون من الاتصال بها وتسهيل وصولهم إلى تلك المراكز، علماً أنّ ثمّة إمكانية للتواصل مباشرة مع المحافظات والقائمقاميات واتحادات البلديات والبلديات.
في هذا الإطار، يوضح رئيس مركز صور الإقليمي للدفاع المدني اللبناني عبد الله الموسوي لـ"العربي الجديد" أنّ "الأوضاع باتت كارثية وأشدّ سوءاً ممّا كانت عليه، إذ إنّ القرى والبلدات في جنوب لبنان بمعظمها تُقصف عشوائياً، وليس فقط أطرافها". يضيف أنّ "العدوان الإسرائيلي استهدف المناطق الوسطى في الجنوب، وقد سُجّلت حركة مرور خانقة، ورأينا السيارات بالمئات وهي تتوجّه نحو مدينة صيدا والعاصمة بيروت وقرى وبلدات محافظتَي جبل لبنان والشمال في حركة نزوح كثيفة".
ويتابع الموسوي أنّ "الناس نزحوا بما عليهم من ثياب، من دون أن يتمكّنوا من حمل مقتنيات ومتاع إلا في ما ندر. كلّ ما كان يهمّهم هو النجاة مع أولادهم من الغارات المتواصلة التي تستهدف الأحياء السكنية والتي أدّت إلى سقوط شهداء وجرحى وإلى حرائق"، مبيّناً أنّ "فرق الدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني والهيئات والجمعيات الإغاثية كلها عمدت إلى التدخّل العاجل، وسط الظروف العصيبة والأحداث المتسارعة".
ويصف رئيس مركز صور الإقليمي للدفاع المدني اللبناني: "حالة الهلع التي انتشرت بين أهالي الجنوب النازحين إلى منازل أقاربهم في مناطق آمنة، فيما أعداد منهم نزحت من دون أن تكون لها وجهة محدّدة". ويبيّن الموسوي أنّ "فرق الدفاع المدني تقوم بمهام الإسعاف والإنقاذ ونقل المصابين إلى المستشفيات وإخماد الحرائق"، مضيفاً أنّ "مستشفيات مدينة صور امتلأت بالمصابين والجرحى، وبدأنا بنقل الإصابات الجديدة إلى مستشفيات مدينة صيدا والعاصمة". ويلفت إلى أنّ "مركزنا تلقّى اتصالات من أهالينا في منطقة إقليم الخروب (جبل لبنان) تفيد بتأمين إحدى الجمعيات مساكن لإيواء النازحين".
في سياق متصل، لا يخفي المواطن سعادة حسان لـ"العربي الجديد" حجم الخوف الذي يشعر به أطفاله وزوجته، ويروي: "علقنا في بلدة معركة، ولم أتمكّن حتى الساعة من نقل عائلتي إلى بيروت"، فهو كان ينوي "توصيلهم ثمّ العودة إلى بلدتي". وحسان أب لأربعة أطفال تتراوح أعمارهم ما بين عامَين وعشرة أعوام، يتحدّث عن "الإرباك والهلع بين الناس وسط القصف العنيف والعشوائي الذي يحاصرهم أو يلاحقهم". يضيف أنّ "الوضع سيّئ جداً، وجيش العدو يقصف طرقات وأبنية ومدنيين ويعرقل نزوح المواطنين. أطفالي لا يتوقفون عن الصراخ والبكاء، وقد حاولت الهروب من منزلي الكائن عند طرف الوادي في اتجاه ساحة البلدة، غير أنّ القصف المرعب في محيط البلدة منع تحرّكنا أكثر". ويلفت حسان إلى أنّ القدر لطف به وبعائلته، إذ إنّ "القصف طاول منزلاً مجاوراً لمنزلنا بعدما غادرناه بقليل، الأمر الذي أدّى إلى استشهاد جارنا".
من جهته، نزح محمد شعبان من بلدة العباسية إلى بيروت مع عائلته. ويقول لـ"العربي الجديد": "سارعنا إلى الهروب تاركين خلفنا كلّ شيء، فلا وقت نضيّعه، وكان لا بدّ لنا من الخلاص بأرواحنا وأرواح أولادنا". يضيف: "نحن نبحث عن منزل للإيجار، إنّما ليس في الضاحية الجنوبية لبيروت التي لم تعد آمنة. لكنّ بدلات الإيجار مرتفعة جداً، وثمّة من يشترط دفع خمسة أشهر سلفاً. وهذه مشكلة إضافية، لا سيّما وسط الوضع الاقتصادي الصعب". ويؤكد: "نعيش مأساة جديدة".