الطيور مؤشر بيئي ممتاز

08 يناير 2021
تدلّ على التغير المناخي العالمي أيضاً (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

تشغل الطيور الأبعاد الثلاثة للمكان، فهي على الأرض تتناول غذاءها أو تعشش مثل القبّرة، ودجاجة الأرض، وهي أيضاً في المياه تسبح، مثل البطريق، وغراب البحر (المياه المالحة) ومثل دجاجة الماء، والبط في البحيرات والأنهار والمستنقعات (المياه العذبة)، كذلك تسبح تحت الماء والشلالات كالسمك، مثل شحرور الماء. ومن الطيور ما يقف على الأشجار في الغابات والأحراج والبساتين وأطراف الحقول للنوم والغذاء والراحة والقيلولة والتعشيش وتربية الصغار مثل الحسّون، والتيّان، والشحرور، والبلبل. ومنها ما يسبح في السماء فاتحاً فمه يعبّ من الحشرات ما استطاع، أو نائماً لبعض الوقت، وهو طائر. إذاً، الطيور في كلّ مكان، وأحجامها تمكّننا من رؤيتها بسهولة على العكس من الزواحف والحشرات. أما الأسماك والضفادع فهي في المياه أو في المياه وجوارها، بينما الحيوانات الثديية كالخفاش وابن آوى والثعلب والضبع والذئب، فمعروف عنها أنّها ليلية الحركة والنشاط والطباع.
لذلك، فإنّ الطيور مؤشر ممتاز يدلّ الإنسان في معظم الظروف والأحوال على التغيرات في البيئة، بمرور الزمن، وفهم أسباب هذه التغيرات. فوجود طائر النحام في أماكن معينة، يدلّ على صحة الأجهزة والموائل البيئية، وعدد أفراد الطيور يدلّ على نظام بيئي متوازن إذا كان عدد الأفراد متساوياً في توزيعه على الأنواع، أما إذا لم يكن متساوياً، فهذا دليل على خلل بيئي يتمثل بسيطرة أنواع على أخرى. أما الدُّوريّ، الشائع في كلّ المدن والقرى، فهو إن قلت أعداده، يؤشر على كثرة استعمال المبيدات الحشرية، وقد جرى التأكد من ذلك عندما هبطت أعداده في إنكلترا بنسبة 68 في المائة، بسبب المبيدات التي قتلت الحشرات التي كان يتغذى عليها في موسم التفريخ، وكذلك تآكل المناطق الخضراء بسبب تمدد البناء وانتشار المواقف للسيارات وغيرها. كذلك، فإنّ تناقص أعداد طائر إم سكعكع، إنّما يشير إلى تدهور بيئته المتمثلة بالمناطق الرطبة. أما شحرور الماء الذي يعيش في أنهارنا الصافية، فقد قلّت أعداده وانحسر توزعه بسبب تلوث المياه، ولم نعد نراه إلا في مناطق محددة وقليلة من لبنان مثلاً.

تدلّ الطيور أيضاً على أمر آخر. فالنسور، مثلاً، تدلّ على جثث بشرية أو جيف حيوانية، والوراور تدلّ على خلايا نحل أو زراقط، والطائر الدليل يدلنا على أماكن خلايا العسل لأنّه يريدنا أن نحصل على العسل ونترك له الشمع وبقايا اليرقات ليأكلها، والنورس يدلّ الصياد على أماكن تجمعات السمك، لأنّه يحوم حولها من السماء وينقضّ عليها بين الفينة والفينة، وأبو بليق يأخذنا إلى مناطق رعي الأغنام والماعز لأنّه يتغذى على حشرة القرادة التي تمتص دماء الماشية، وأبو زريق يعلمنا من خلال دوره في زراعة غابات البلوط بأماكن انتشارها، والسنونو الذي يتغذى نهاراً، والخفاش الذي يعاونه ليلاً، يفيداننا بأنّ الجلوس على الشرفات ليلاً آمن من البعوض والحشرات الأخرى. والصقر الحر أينما وُجد يعني أنّ الأرانب متوافرة، فهو يصطاد منها لأنّه يستطيع القبض على طرائده وهي على الأرض، بينما صقر الشاهين لا يستطيع أن يقبض على طريدته وهي على الأرض، لذا نجده متخصصاً بالطيور، فإذا كانت على الأرض يحاول أن يجعلها تطير كي يمسك بها. وهناك طائر الكركي الذي يعلمنا بمروره ليلاً من خلال صيحات أفراده، معلناً أنّ موسم الخريف أصبح في منتصفه، كذلك إنّ طائر اللقلق الأبيض يبشر نهاراً بمجيء فصل الربيع، لأنّ مروره يتزامن بكثرة مع بداية هذا الموسم، كذلك يبشر مروره أيضاً بانتهاء الأيام الخماسينية الحارة.
الطيور عموماً تنبئ بكسوف الشمس الكلي قبل حصوله بقليل، إذ تأوي إلى أماكن نومها، لكنّها تعاود نشاطها بعد انتهاء الكسوف. أما في هذه الأيام، فنشهد على تمدد انتشار الطيور، وما ذلك سوى دليل على تغير المناخ وزيادة درجات الحرارة. ففي لبنان، مثلاً، جاءت سبعة أنواع شبه صحراوية، وصحراوية جنوبية، لم تكن تشاهَد من قبل، آخرها النورس أبيض العينين، الذي لم يسجل وجوده سابقاً في لبنان على مدى القرنين الماضيين.
(اختصاصي في علم الطيور البرية)

المساهمون