لعلّ الطيور هي الأكثر شيوعاً في ثقافة البشر، وسبب ذلك يعود إلى أنها موجودة في الأبعاد الثلاثة للمكان، لا بل وفي كل مكان، ويمكن رؤيتها لأن منها ما هو ليلي النشاط ومنها ما هو نهاري النشاط. أما الحيوانات اللبونة فمعظمها ليلي الحركة. وتوجد الضفادع في أماكن فيها أو قربها مياه عذبة، والزواحف نراها في مناطق محددة.
إذاً، الطيور موجودة في كل مكان وفوق البحر كما على الأرض، تطير وتسبح وتغطس، وشوهدت على ارتفاعات شاهقة ورآها كل إنسان. كما ذُكرت في الكتب السماوية وعلى ألسنة وأفعال العلماء والشعراء والفنانين والمطربين والحكماء وكل إنسان. واستلهم الإنسان منها صناعة الطائرات واستخدمت عظامها المجوفة أدوات موسيقية وأدوات تنظيف للأسنان ومن ريشها قبعات النساء والصيادين وملابس النساء وحشوات المخدات، ومن جلودها أجزاء من الآلات الموسيقية.
رسمها الفنانون وصوّرها أحباء الطيور ونحتها النحاتون وصنعوا مجسمات وتماثيل لها وحنطها البعض ليزين بها منزله وكتب عنها الأدباء والشعراء. ولعل أكبر تعبير عن التصاق الطيور بثقافة البشر أنها وردت على ألسنة الحكماء كما وردت في الأمثال الشعبية القديمة والتي ما زال يتم تداولها بين الناس حتى يومنا هذا. سنحصر أمثلتنا بالأمثال العربية القديمة، وخصوصاً أن الخوض بالأمثال عن الطيور لا يتسع له كتاب، لأنه ليس هناك بلد في العالم من أقصى شرقه إلى أقصى غربه يخلو من الأمثال.
في لبنان، هناك مثل أعتز به ويقول "ما في طير ما في خير"، أي أن وجود الطير هو دليل صحة البيئة ومؤشر لوجود الخيرات. وهناك مثل عالمي يقول "عصفوران بحجر واحد". أما في اليابان، فيقولون "ثلاثة عصافير بحجر واحد"، ويعني أن الشخص حصل على شيئين بفعل واحد. على كل حال، هذا المثل أصبح على طريق الزوال لأن العصافير لا يجب أن تضرب بعد الآن. ويقول مثل آخر إن "الطيور على أشكالها تقع" أي يجتمع المهذب مع المهذب والعاطل مع العاطل والشاطر مع الشاطر، وهناك مثل فرنسي يحمل المعنى نفسه يقول إن "الطيور التي من النوع نفسه تطير مع بعضها البعض".
ومن بين الأمثلة المتعلقة بالطيور: "تحن الكرام إلى أوطانها حنين الطيور لأوكارها" ويعني أن الإنسان الذي يحب وطنه هو دائم الحنين للعودة إليه وإلى مسقط رأسه. أما المثل القائل: "يلّي ما يعرف الصقر يشويه"، فيعني أن الشخص الذي لا يعرف قيمة الأشياء فلا يستطيع أن يقدرها ويعطيها حقها وأهميتها.
ونسمع عن المثل الذي يشير إلى أن "كل ديك على مزبلته صياح"، ويقال هذا المثل عن الشخص الذي يستقوي بمنطقته ويرتفع صوته فيها. مثل آخر "ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع" يعني أنه مهما ارتفع الإنسان في مناصبه وأصابه الغرور بين الناس فإنه لا بد أن يعود إلى ما كان عليه من قبل أو يهوي من على منصبه.
وهناك مثل فرنسي يقول إن عصفوراً واحداً باليد أفضل من عصفورين على الشجرة، يقابله مثل مشابه في بلادنا وهو "عصفور باليد أفضل من عشرة على الشجرة". والمعنى من هذين المثلين أن على الإنسان الاكتفاء بالقليل لأنه لن يحصل على كل ما يريده. المثل هذا سيضمحل لا محالة لأنه يعتبر أن الإمساك بالطيور أمر جيد، بينما الأفضل تركها تقوم بدورها في الطبيعة. لربما كان المثل الأكثر شيوعاً هو "لو فيه خير ما رماه الطير"، وهو يعني أن أحدهم وعلى غير عادته أعطاك شيئاً أو ترك لك شيئاً لتأخذه ولكن هذا الشيء لو كان مهماً لصاحبه لما أعطاك إياه. ويقال إن أصل هذا المثل هي البومة التي إن اصطادها الصقر يرميها لأنها لا تؤكل ولأن رائحتها نتنة. ومهما يكن من أمر، فلا بد من القول إن بعض الأمثال قد لا تكون صحيحة فالغراب لا يجر إلى الخراب والبوم ليس مصدر شؤم، وليس صحيحاً أن عمره لا يزيد عن عام واحد، وليس صحيحاً أيضاً أن رائحته نتنة. والهر الأسود ليس من الجن والذئب ليس غداراً. كما أن الثعلب ليس ماكراً والحمار ليس أحمق والنسر لا يخطف الأطفال (النسر يأكل الجيف). كلها أقاويل توجه للأطفال ليس إلا، وقد زرعت فيهم الخوف من الحيوانات وضرورة قتلها. وهذا الأمر يعني شيئاً واحداً هو أن توعية الصغار حول أهمية الطيور واجب على كل عائلة وعلى كل تلفاز ووسيلة تواصل مناسب.
(متخصص في علم الطيور البرية)