يُسجَّل تزايد في معدّلات الطلاق بالعراق، الأمر الذي يثير مخاوف جدية في المجتمع، فيما يعمد القضاء العراقي ومحاكم الأحوال الشخصية إلى إصدار بيانات حول الحالات والجهود المبذولة لتشكيل لجان صلح بين الأزواج قبل أن تحسم المحكمة الفرقة بينهم. ويعيد خبراء ذلك التزايد إلى أسباب عدّة، لعلّ أبرزها الزواج المبكر وتأثير مواقع التواصل والتكنولوجيا الحديثة بالإضافة الى الفقر والبطالة والإدمان على المخدرات وتدخّل الأهل في حياة الأزواج. ويفيد التقرير الأخير للسلطة القضائية، الذي صدر في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، بأنّ "حالات الزواج في العراق خلال شهر أغسطس/ آب بلغت 23 ألفاً و500 حالة زواج، فيما بلغ عدد حالات الطلاق في الشهر نفسه نحو 6250 حالة طلاق، أي بنسبة تقارب 30 في المائة من إجمالي عدد حالات الزواج، بحيث تقع كلّ يوم 210 حالات طلاق تقريباً بواقع تسع حالات في الساعة الواحدة".
ويُحكى عن زيجات انتهت بالطلاق بعد أقلّ من شهر واحد، مع الإشارة إلى أنّه كان في الإمكان حلّ كلّ أسباب الطلاق. ومن بين تلك الحالات، طلاق شابة تبلغ من العمر 18 عاماً تزوجّت جارها الذي يكبرها بعامَين. لم يكد الأسبوع الأول يمرّ حتى بدأت المشكلات برسالة تهنئة وردت إلى الزوجة من ابن عمها الذي يقيم في دولة أوروبية، بحسب ما تروي والدتها لـ"العربي الجديد". تضيف أنّ زوج ابنتها "صار يشكّ في قيام علاقة بينها وبين ابن عمها، وكبر سوء التفاهم لينتهي برمي يمين الطلاق عليها من دون الاستماع إلى أيّ تبرير".
من جهتهم، لا يخفي كُتّاب العرائض الذين يعملون في أكشاك أمام المحاكم أنّ الطلاق أحد أبرز نطاقات عملهم اليومي، ويؤكد كثيرون أنّ ما يعادل ثلث مدخولهم اليومي يعتمد على قضايا الطلاق. ويقول جاسم عبد الأمير، وهو كاتب عرائض أمام أحدى محاكم الرصافة في بغداد، لـ"العربي الجديد": "نصادف قصص طلاق غريبة بشكل يومي. فأحد الرجال، على سبيل المثال، طلّق زوجته لأنّها خلدت إلى النوم من دون أن تُعدّ له العشاء. أمّا آخر، فوصلت به غيرته من ممثّل محدّد تشاهد زوجته مسلسلات وأفلاماً له إلى حدّ تطليقها". يضيف عبد الأمير أنّ "ثمّة زوجات طلبنَ الطلاق كذلك لأسباب غريبة، من بينها رفض الزوج شراء هاتف نقّال جديد لزوجته، الأمر الذي أدّى إلى مشكلة كبيرة. كذلك، فإنّ زوجة أخرى نسي زوجها شراء هدية عيد الحبّ لها، فاتّهمته بأنّه يكرهها وبدأت مشكلات انتهت بالطلاق".
لكنّ أسباب الطلاق ليست كلها بسيطة ويمكن تجاوزها، وما حصل مع فرح حسين، البالغة من العمر 32 عاماً، مثال، الأمر الذي دفع عائلتها كما عائلة طليقها إلى الإنفاق عليها وعلى أطفالها الثلاثة بعد طلاقها. وتقول لـ"العربي الجديد" إنّ "زوجي في الأعوام الأربعة الأخيرة من زواجنا، الذي استمرّ تسعة أعوام، أدمن المخدرات وأهمل العمل كما الأسرة، وراح ينفق كلّ ماله على المخدرات". تضيف فرح حسين: "لقد كان عاملاً ماهراً في مجال السباكة، ومدخول عمله يوفّر لنا معيشة هانئة، لكنّه راح يتعاطى المخدرات مع مجموعة من الأصدقاء الذين تعرّف إليهم، ويستدين المال من أقاربه وأصدقائه حتى تعاظمت الديون. فصار يبيع أغراض منزلنا، ثمّ باع المنزل لتسديد ديونه والحصول على ثمن المخدرات". وتتابع أنّ "أهله وأقاربه حاولوا إصلاحه، لكنّهم فشلوا. ثمّ وقف أهله إلى جانبي وطلّقوني منه، وهم ما زالوا يدعمونني منذ الطلاق في فبراير/ شباط من عام 2020".
من جهتها، تقول المحامية ندى الجبوري لـ"العربي الجديد" إنّ "من أبرز أسباب الطلاق وضع الزوج المادي السيئ وعدم توفّر فرص عمل مع ارتفاع نسبة الفقر والبطالة، لا سيّما مع انتشار فيروس كورونا الجديد. وقد أدّت الأزمة الوبائية إلى بقاء الزوج في المنزل من دون عمل، الأمر الذي زاد من حدّة المشاحنات لتصل إلى مشكلات حلولها عقيمة بحسب ما يرى الأزواج". تضيف الجبوري أنّ "من بين أسباب المشكلات التي برزت منذ أكثر من عقد وكان لها أثر كبير في زيادة حالات الطلاق، مواقع التواصل الاجتماعي التي ينشغل بها كثيرون على مدى ساعات مستخدمين هواتفهم الخلوية، بالإضافة إلى ضعف الوعي لدى الثنائي والأهل الذين لا يسعون إلى حلّ ويؤيّدون الطلاق".
في سياق متصل، تقول شيرين كاظم، وهي مرشدة اجتماعية تؤدّي دورها في المحاكم من خلال التواصل مع الأزواج المقبلين على الطلاق، في محاولة لفهم مشكلاتهم والسعي إلى حلها من دون اللجوء إلى الطلاق، إنّ "ثقافة احترام رباط الزوجية والاعتقاد بقدسيته شبه مفقودة، علماً أنّ ذلك الرباط هو أساس إنشاء مجتمع مبنيّ على القيم التربوية والدينية الصحيحة، لا سيّما أنّنا بلد مسلم بغالبية سكانه".