الطعام المنزلي... عراقيات يسوّقن لأطباقهن إلكترونياً

30 يناير 2021
تعدّ الطعام المنزلي (إدوين ريمسبرغ/ Getty)
+ الخط -

حوّلت عراقيات إعداد الطعام المنزلي إلى مهنة. استعملن وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لأطباقهنّ والوصول إلى الزبائن، خصوصاً الموظفات اللواتي لا يملكن الوقت للطبخ

بين الهواية والمهنة المربحة، وبين من أرغمن على العمل ومن لقين فيه تلبية لطموحهنّ، عراقيات وجدن أنفسهنّ يعملن في إعداد الطعام، وتجهيز الحفلات، وتلبية طلبات زبائنهن، بعد أن فتحن حسابات على منصات التواصل الاجتماعي، بأسماء مختلفة. يستعرضن على الحسابات الأطعمة التي يتم تجهيزها، من المعجنات، وحلوى أعياد الميلاد والمناسبات، كذلك، مختلف أنواع الأطعمة. 
أم زينة، تملك صفحة "أكلات ماما"، تقول لـ"العربي الجديد": "لم يكن مشروع إعداد الطعام وارداً في ذهني، لأن عائلتي كانت تعيش برغد، حتى تعرض زوجي لعملية نصب واحتيال. على إثرها، فقدنا كلّ ما نملك. فكرت بالعمل حتى أجد مصدر رزق أساعد به زوجي لتسديد ديوننا، ولنتمكن من استئجار منزل نسكن فيه، بعد أن بعنا بيتنا وسيارتنا. ابنتي الكبرى أعطتني فكرة العمل في الطبخ، وفتح صفحة على موقع فيسبوك، للتسويق لما نقوم بتجهيزه ولتلقي الطلبات". 

تتابع أم زينة، التي تسكن في العاصمة بغداد: "بعد فترة من العمل بمشروع طبخ الأطعمة العراقية، وجدت راحة نفسية، ومصدر رزق لا بأس به، ولو كنت أتعب في تجهيز الطعام، لكنني وعائلتي لم نيأس، رغم أننا ما زلنا ندفع الأرباح للديون المتراكمة. العمل في الطبخ يحتاج إلى نفسٍ طيب، هكذا نقول في العراق، لذلك، أضع كلّ خبرتي وأطبخ عن طيب خاطر، وحين أوصل لزبائني وأغلبهنّ، إن لم يكنّ جميعهنّ من النساء، أيّ طلبية، أشعر بسعادة وهنّ يمتدحن الأطعمة التي أقوم بتجهيزها". 
تتابع: "بعضهنّ أصبحن زبونات دائمات، ولا يكاد يمرّ أسبوع حتى يطلبن بعض المعجنات، وكُبب مقلية أو مسلوقة، كذلك، الدولمة التي لا يستغني عنها العراقيون". وتنصح أم زينة الفتيات بعدم انتظار وظيفة أو عمل يأتي على طبقٍ من ذهب، وتقول: "من جدّ وأخلص في نيته للحصول على عمل، سيجد ثمار إخلاصه وجدّه، لذلك، لا يمكن أن ننتظر ونقضي حياتنا بانتظار شيء قد لا يأتي، علينا العمل، خصوصاً بمثل هذه المشاريع التي تحسّن من نفسية المرأة، ولو واجهتنا صعوبات في بادئ الأمر".
من جانبها، تقول صاحبة حساب "تجهيزات أم رزان"، لـ"العربي الجديد": "في عام 2014، بدأت مشروعي البسيط. كان لدي طموح أن أكون صاحبة عملٍ محترم وقادرة على إدارة أموري، عبر الاعتماد على نفسي، في ظلّ حماية ودعم مباشر من زوجي، وهو المشجع الأول للعمل، لأنّه كان دائماً يريدني أن أكون امرأة قوية، بالإضافة لتحسين دخلنا المعيشي. بداياتي كانت مع "الكيك" (قالب الحلوى) والـ "كاب كيك" (كعكة صغيرة في قالب)، وبعض الحلويات الأخرى. بعدها، تحولت لعمل كبب تجارية أو قليلة التكلفة، لكنني وجدت أن ذلك لم يلبّ طموحي. اتجهت إلى عمل الأكل الخصوصي، أي بحسب الطلب، ما جعلني أحصل على ثقه الزبائن". 
تتابع: "بدأ العمل ينجح بشكلٍ سريع، ثم طورته أكثر. من أبرز الأطباق المطلوبة، هي الدولمة، والكليجة، والكبب على كافة أنواعها، والفطائر، واللحم بعجين، والباجة (الكوارع)، والمنابير المحشية، وغيرها من الأطعمة التي لا يستغني عنها كلّ بيت عراقي". وبخصوص الأرباح المادية، تشير أم رزان، إلى أنها "ليست كثيرة، لأن المواد الأساسية التي نستخدمها، عالية الجودة، ومرتفعة الأسعار، مثلاً اللحم يجب أن يكون لحم غنم عراقي إذا كان حسب طلب الزبائن. كذلك، كلّ المواد يجب أن تكون من الدرجة الأولى، والأسعار في الأسواق بارتفاع، لكنّ العمل مستمرّ بالرغم من التحديات الموجودة".
في السياق نفسه، ومن جهة الزبائن، تلفت سؤدد عبد الرزاق، التي تعمل موظفة لساعاتٍ طويلة، إلى أنّ "سبب نجاح هذه المشاريع يعود إلى كثرة الموظفات وتعبهنّ في العمل. ففي السنوات القليلة الماضية، بدأت، المطابخ الإلكترونية، إن صحّ التعبير، تنتشر كثيراً من خلال الصفحات العراقية على وسائل التواصل الاجتماعي، لنساء يحترفن الطبخ. ونظراً إلى وجود عدد كبير من الموظفات اللواتي لا يجدن الوقت الكافي للطبخ، فإنّ مثل هذه المشاريع تكون ناجحة". 
تقول: "أنا كموظفة، أعتمد كثيراً على طلب الأطعمة لأنني أعود بعد الساعة الثالثة عصراً إلى المنزل، وليس لدي متسع من الوقت لتجهيز الأطباق التي تستوجب وقتاً طويلاً، مثل الدولمة، والكبة، والكليجة، والباجة، وغيرها،. وكي ألبّي رغبات عائلتي، أقوم أسبوعياً بالتوصية على ما يحبون، من أحد الحسابات الَتي أعتمد عليها، وأخصص جزءاً من راتبي لهذا الغرض". 
وتعتبر عبد الرزاق، لـ"العربي الجديد"، أنهم كعراقيين يختلفون كثيراً عن باقي الشعوب، حيث يعتمدون على الأكلات البسيطة أو الجاهزة من المطاعم، إلا أنهم يعشقون أكل البيت. وتقول: "اعتدنا منذ الحصار الاقتصادي، وحتى قبل ذلك، على الطبخ المنزلي، ولا نذهب إلى المطاعم إلا في المناسبات والأعياد. حتى وإن تغيّر الأمر في الوقت الراهن، ما زلنا نعتمد على الأكلات العراقية كثيرة الدّسم، وهذا ما نجده في الطبخات التي تجهزها هذه الصفحات التي تلبي رغباتنا لأن من يعملن فيها يعرفن الذوق العراقي وهذا سرّ نجاحهن".
بدورها، تقول أم يوسف، صاحبة حساب بهرز لتجهيز الأكلات المنزلية: "منذ صغري أحبّ الطبخ، وفكرة فتح حساب على  فيسبوك كانت لأختي الصغرى". تضيف: "أذكر أول طلب جهزته قبل أكثر من سبعة أعوام، كان قدر الدولمة، وكان سعره نحو 10 دولارات. في البداية، لم يكن زوجي مقتنعاً بفكرة المشروع، ولم يسمح لي بفتح حساب على فيسبوك إلا بعدّة شروط، من ضمنها أن يضع رقم هاتفه وأن يردّ على الرسائل، بعدها أصبح يملّ من الردّ على الرسائل، خصوصاً أنّ كلّ الرسائل تأتي من النساء. الأمر الّذي دفعه لحذف رقمه وتسليمي الحساب بالكامل". 

المرأة
التحديثات الحية

وتتابع لـ"العربي الجديد": "كنت أواجه صعوبات كثيرة حتى أنني لم أكن أنام إلا ساعتين في اليوم. لكنّ لاحقاً، بدأت أعتاد على العمل، وأصنع أنواعاً مختلفة، كالمعجنات، وأجهز الأكلات للدعوات الخاصة. هناك أسعار مختلفة حسب نوع المواد الأولية والطلب، ولكلّ طبق، سعرٌ مختلف. أحياناً ترتفع أسعار المواد في الأسواق إلا أنني لا أرفع سعر الطبق حتى لا أخسر زبائني، ولو كان ربحها أقلّ، المهمّ أن يستمر العمل وأسترزق بشكل دائم".

المساهمون