الطبيب التونسي سفيان البناني العائد من غزة: من رأى ليس كمن سمع

16 ديسمبر 2024
الطبيب التونسي سفيان البناني في غزة، 15 ديسمبر 2024 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- وصل الجراح التونسي سفيان البناني إلى غزة في مهمة إنسانية لعلاج جرحى الحرب، حيث تأثر بشدة من مشاهد الدمار والمعاناة، مشيراً إلى أن الإعلام لا يعكس سوى جزء بسيط من الواقع المأساوي.
- تحدث البناني عن التحديات الكبيرة في القطاع الصحي بغزة، خاصة في الشمال المحاصر، مع نقص حاد في المعدات والأدوية، معبراً عن إعجابه بصمود الأهالي والأطباء رغم الظروف الصعبة.
- وصف البناني تجربته في غزة كنقطة تحول في حياته، معرباً عن أمله في أن تساهم جهوده في فتح المجال لأطباء تونسيين آخرين لدعم القطاع الصحي في المستقبل.

في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كان سفيان البناني (38 عاماً)، أول طبيب جراح تونسي يصل إلى غزة في إطار مهمة إنسانية لعلاج جرحى الحرب التي يشنها العدو الإسرائيلي على القطاع منذ أكثر من 14 شهراً. اختصر تجربة 17 يوماً أمضاها في دعم جهود الكوادر الطبية في ما تبقى من مستشفيات غزة بالقول لـ"العربي الجديد": "ذهبت إلى قطاع غزة لعلاج جرحى ومصابي الحرب، لكنني عدت بجروح إنسانية غيّرت نظرتي الشاملة إلى الحياة، ومن رأى ليس كمن سمع".

وأضاف البناني: "دخلت غزة برفقة وفد طبي متعدد الاختصاصات والجنسيات بعدما سمحت جهود شاقة بذلتها منظمات وهيئات طبية غير حكومية بذلك، وتزامن ذلك مع تصاعد الحصار على شمال القطاع الذي تحوّل إلى منطقة شبه معزولة يستهدفها قصف العدو الكثيف على مدار الساعة"، وأبدى صدمته لمشاهد الدمار والمعاناة الإنسانية للمواطنين في غزة، و"رغم أنني كنت أتابع يومياً تطورات الأوضاع في القطاع، اكتشفت أن ما تنقله عدسات الكاميرات لا يمثل إلا 10% من حقيقة الوضع الميداني. لا أحد آمن في غزة، وحتى الطواقم الطبية الإغاثية تحوّلت إلى أهداف دائمة للاحتلال الإسرائيلي الذي يحاول طمس كل معالم الحياة. وتعرضت مركبات كانت تنقل وفداً طبياً انضممت إليه إلى تضييق كبير، وصادر الاحتلال الإسرائيلي معدات طبية حملها الوفد، ومنع دخول كل أنواع الأدوية".

في غرفة العمليات، 10 ديسمبر 2024 (العربي الجديد)
في غرفة العمليات، 10 ديسمبر 2024 (العربي الجديد)

يضيف: "رغم الدمار الكبير الذي لحق بالبنى التحتية وتكدّس النازحين وانهيار غالبية المستشفيات، يبقى الوضع في جنوب القطاع أحسن بكثير مما يعيشه أهالي الشمال الذين حرمهم الاحتلال من أدنى مقومات الحياة. وعموماً هناك فقدان تام للأمان، والجميع في غزة على أهبة الاستشهاد حتى من هم داخل المستشفيات التي اختبرت فيها للمرة الأولى في حياتي المهنية كيف يجب أن ينقذ طبيب حياة جريح أو مصاب بما يتوفر من إمكانيات. ففي مستشفيات غزة تحوّلت المستلزمات الطبية الأساسية للعمل الجراحي إلى نوع من الترف، ورأيت زملاء أطباء يكابدون لإنقاذ الأرواح، وهم أنفسهم منهكون من البحث الدائم عن الأكل والشرب لعائلاتهم التي تقيم في خيام".

وتحدث أيضاً عن تعرّض المستشفيات في شمال غزة لقصف يومي، وقال: "في بعض الأحيان كان القصف قريباً جداً، وكنا نستقبل أعداداً كبيرة من الجرحى والقتلى بعده، ونرى أيضاً ركام المباني التي يُقبر تحتها عشرات الأشخاص الذين لا يستطيع أحد إنقاذهم. ومحظوظ من يحصل على إسعاف ويجري انتشاله من تحت الأنقاض". تابع: "رفض الكيان المحتل وجود الطواقم الطبية، وأرسل مرات عبر وساطات تحذيرات وأوامر بالمغادرة، ما جعل مهمات الوفد الذي كنت ضمنه تقتصر على العمل لمدة 17 يوماً رغم رغبة الجميع في البقاء مدة أطول لمعاضدة جهود الكوادر الطبية التي تعمل تحت وابل القصف ونقص المعدات والأدوية والكهرباء. لقد رأيت قدرة خارقة لأهالي غزة على الصمود والتمسك بأرضهم، كما لمست تقديرهم جهود الطواقم الطبية التي اخترقت حواجز الاحتلال لمعالجة جروحهم رغم إحساسهم الكبير بالخذلان نتيجة تخلي المجتمع الدولي عنهم. ورغم ويلات الحرب وحجم الدمار المحيط بهم، اكتشفت أن أهل غزة فعلاً جبارون ويحبون الحياة، ويكافحون للعيش، ويعطون دروساً في التضحية والمساعدة المتبادلة".

ووصف البناني ذهابه إلى غزة بأنه نقطة تحوّل ليس في مساره المهني فقط، بل أيضاً في حياته عموماً، إذ "غيّرت التجربة رؤيتي للأشياء، فما قد نراه مكسباً متاحاً يمكن أن يكون حلماً صعب المنال لآخرين"، وأخبر بأن "المياه الحلوة كانت الطلب الوحيد للأطفال من القوافل الطبية التي دخلت إلى الشمال. كانوا يهرولون نحو عربات القوافل الصحية بأمل العثور على قارورة ماء، وكانت هذه المشاهد أكثر من مؤلمة بالنسبة لي". ختم: "غادرت غزة مثقلاً بالحزن، لأنني لم أستطع إنجاز مهمتي الإنسانية كما يجب تجاه شعب تحيط به الأمراض والأوبئة من كل جانب، لكنني ساهمت ربما في إفساح المجال أمام التحاق أطباء تونسيين بقوافل صحية ستدخل القطاع في المستقبل".

المساهمون