- بلّور تعبر عن خيبة أملها من عدم تحقيق التغيير المنشود بعد مغادرتها سورية في 2018، مؤكدة على أهمية الكتاب والفيلم الوثائقي في فضح جرائم النظام وعرض أهوال الحرب.
- تتناول نشأتها، التحديات كامرأة في إدارة المستشفى، وتحقيق التغيير بتوظيف النساء وتحسين الظروف، معبرة عن أملها في العودة والتأكيد على أهمية دعم اللاجئين السوريين.
حاولت الطبيبة السورية أماني بلّور في كتابها الصادر أخيراً بالإنكليزية تسليط الضوء على معاناة أهالي الغوطة الشرقية، بهدف إيصال الصوت عسى أن يتحرك العالم.
تتناول الطبيبة السورية أماني بلّور، في كتابها الصادر أخيراً بالإنكليزية "الكهف: مستشفى سري تحت الأرض وقصة بقاء امرأة واحدة في سورية" (THE CAVE ... A Secret Underground Hospital and One Woman's Story of Survival in Syria) ذكرياتها التي تفتح نوافذ على معاناة أهالي الغوطة الشرقية في سورية خلال الحصار الذي فرضه النظام عليهم، والحرب التي شنها. وتنجح الصحافية والكاتبة، رانيا أبو زيد، في صياغة الرواية بأسلوب يعكس الألم والأمل.
تأسر الرواية القرّاء من سطورها الأولى التي تتحدّث عن الليلة المسمومة في 21 أغسطس/ آب 2013، حين توجّهت الطبيبة التي لم تتجاوز الـ 26 من العمر آنذاك، إلى مستشفى تحت الأرض يُعرف باسم الكهف، في بلدتها كفربطنا في الغوطة الشرقية. وهناك رأت للمرّة الأولى عشرات الجثث وتعاملت مع مصابين يتألمون ويعانون صعوبات في التنفس ويختنقون. تذكر بلّور: "لم يكن هناك جروح أو دماء، فلم يعلم أحد ما أصابهم سوى بعد فترة طويلة، حين تبيّن أنّهم تعرّضوا لغاز الأعصاب (غاز السارين)".
تقول بلّور لـ "العربي الجديد" إنها غادرت سورية عام 2018، وفكرة الرحيل القسري لم تخطر على بالها في أثناء وجودها في الغوطة. تضيف: "لم يرغب أحد بالرحيل". وعن الهدف من الكتاب بعد إنجاز فيلم وثائقي يتناول التجربة، توضح أنها أملت من الفيلم الذي أنتج في عام 2019 أن يُحدث تغييراً ويحرّك المجتمع الدولي، وقد سعت إلى إيصال صوتها إلى أصحاب الضمائر الحيّة من أجل الذين قضوا في الحرب، وخصوصاً الأطفال الذين ولدوا وماتوا في هذه الظروف من دون أن يعلموا أن هذه ليست الحياة الطبيعية. تضيف: "حزنت بشدة وانتابني إحساس بأنّ من واجبي أن أروي قصص هؤلاء الذين قضوا للعالم، لهذا سمحت آنذاك بتصوير الوثائقي".
تؤكّد بلّور عزمها على فضح جرائم النظام في سورية. وتوضح أن هدفها من الوثائقي والكتاب عرض أهوال الحرب والخسائر البشرية. تصمت لبرهة، ثمّ تضيف: "أُصبت بخيبة أمل لأنّ توقّعاتي من الفيلم والكتاب تجاوزت الواقع. ويؤسفني أنّه بعد سنوات من الهجرة لم تتحسّن الظروف في سورية، بل باتت أسوأ مما شهدتها حين كنت هناك". في الوقت نفسه، تقول إنّها تشعر بالأمل عندما تتلقّى رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي من أشخاص شاهدوا الفيلم أو قرأوا الكتاب، إذ تعبّر جميعها عن إحساسهم بالمعاناة التي يعيشها السوريون وعن قبح الحرب". وتوضح: "أردت أن أسرد الرواية على شكل مذكّرات وليس كنشرة أخبار. هدفت إلى تصوير حياة الإنسان العادي في سورية مع عائلته وأحلامه وتطلّعاته، ولأظهر كيف قلبت الحرب حياتي فجأة رأساً على عقب، وكيف شهدت الحقيقة بنفسي جنباً إلى جنب مع التشويه في رواية النظام".
تشير إلى أن تركيزها في الكتاب كان على فترة الحصار وتأثيره، وهي فترة تصفها بـ"الشيطانية إذ حرم الأطفال من الحليب وجُوّع الناس لإجبارهم على الاستسلام والرضوخ". كما تتناول بشكل خاص معاناة الأطفال لأنّها تدرك الألم الهائل الذي يشعر به أي شخص عندما يرى صغيراً يعاني من الجوع أو الخوف أو الألم.
تتابع بلّور المقيمة في نيو جيرسي في الولايات المتحدة: "رغبت في كتابة أسماء جميع الأطفال الذين تعاملت معهم، فلكل منهم قصّة ومعاناة، لكنّ أعدادهم كانت بالمئات. لذلك ذكرت بعض الأسماء التي يستحيل أن أنسى وجوهها ونظراتها. المراهقة راما مريضة السرطان كانت تموت ببطء أمامنا ونحن عاجزون عن مساعدتها. ولن أنسى نظرة الطفل عبد الرحمن الذي كان طالباً في مدرسة ابتدائية استهدفها النظام وبُترت ساقاه. لن أنسى نظراته كلّما استيقظ من التخدير ليكتشف أنّه أصبح بلا ساقين. كما لا تزال كلمات الطفل محمود الذي فقد ذراعه تتردّد على مسمعي حين سألني ببراءة: "وين إيدي؟ (أين يدي؟)".
تقول: "الكتاب رسالة توعية لما يحدث في سورية لأنّني أعتقد أن أي شخص عادي يمكنه المساعدة، ولو بشيء أو فعل بسيط، مثل التبرّع المادي أو التحدّث علناً عمّا يجري في سورية. أصوات الناس تؤثّر كثيراً في إحداث التغيير حين ترتفع".
تتابع بلّور: "الرواية هي أبعد من حياتي في المستشفى، إذ تتناول أيضاً التهجير وإكراه الناس على مغادرة منازلهم في وقت يتظاهر النظام أمام المجتمع الدولي بأنهم غادروا طوعاً. وأشرح فيه أن اللاجئ السوري لم يتخلّ عن أرضه بإرادته ولا يمكنه العودة في ظل الظروف الحالية. وأناقش كفاحه، سواء في أثناء رحلاته المحفوفة بالمخاطر أو اندماجه في البلدان المضيفة، وآمل أن تتعاطف هذه المجتمعات معه ومع وغيره".
تتأمل بلّور إنجازاتها البسيطة وتعتبر أنّها عرّفت بعض الناس على حقيقة ما يحدث في سورية، وتمكنت من إيصال رسالتها في تبديد اعتقادهم السابق بأنها كانت مجرد حرب أهلية بين فصائل متساوية داخل البلاد. وتشير إلى أهمية الجوائز التي حصدتها، إذ تصل رسالتها إلى جمهور أوسع وتدفعهم إلى التساؤل عمّن فاز بالجائزة والأسباب.
يتناول الكتاب أيضاً نشأة بلّور في منزل متواضع بناه والدها في كفربطنا، وتطلعها إلى حياة مختلفة منذ الطفولة لا تعكس الخيارات التي اتّخذتها والدتها وأخواتها وجميع النساء من حولها. وتقول إنّ المعايير المزدوجة في بيئتها كانت تمتد لتشمل كل شيء تقريباً حتى ألعاب الأطفال. لكنّها لم تخضع ببساطة لهذه التقاليد بل كانت تناقش، وكان والدها يصفها بالعنيدة.
تتطرّق في الكتاب إلى ثورات الربيع العربي مع التركيز بشكل خاص على الثورة في سورية والتضحيات التي قدمها السوريون أملاً في إحداث التغيير. كما تشير إلى أن الأطباء أنفسهم لم يسلموا من الاعتقالات. وتشكّك في فعالية بعض الكتائب التي كانت تقاتل في صفوف الجيش السوري الحرّ، موضحة أنها لم تكن أفضل بكثير من الجماعات المستقلة مثل جبهة النصرة أو النظام السوري. وتسأل: "في حال سقوط النظام، هل سيحلّ مكانه هؤلاء؟ إذا حدث ذلك فلن يتغير شيء. خشيت ألا يتمكن الثوار الشرفاء من استلام زمام الأمور".
يسلط الكتاب الضوء أيضاً على التمييز بين الجنسين في الغوطة الشرقية والتحدّيات التي واجهتها الطبيبة الشابة داخل أسوار المستشفى عندما تولّت إدارته. وعلى الرغم من الحرب المستمرّة، أثبتت كفاءتها وتمكّنت من توظيف أكبر عدد من النساء، وخصوصاً الأرامل. كما حصلت على مساعدة مالية من إحدى المنظّمات غير الحكومية، ما مكنها من دفع الرواتب وتحسين المستشفى. وعام 2018، مع تساقط وابل القذائف والصواريخ على الكهف، غادرت بلّور على أمل العودة. وتبقى الأعمال الإنسانية والتضحيات التي حدثت فيه راسخة في أذهان كل من عمل فيه أو لجأ إليه.