الشهداء الصغار... قصص أطفال قتلهم الاحتلال في قطاع غزة

10 يونيو 2024
عشرات من الأطفال الشهداء في مخيم النصيرات (إياد البابا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في قطاع غزة، يواجه الأطفال خطر الموت بسبب الهجمات المباشرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، مثل مجزرة مخيم النصيرات التي راح ضحيتها 62 طفلاً.
- الأطفال في غزة يعيشون في بيئة عدائية تحرمهم من طفولتهم، ويتعلمون التعايش مع الخوف والعنف اليومي، مع اهتمام دولي محدود بمعاناتهم.
- الهجمات المتكررة على الأطفال تعكس سياسة ممنهجة للاحتلال الإسرائيلي، متجاهلاً القوانين الدولية لحماية حقوق الطفل، مما يدعو لضرورة الاهتمام الدولي وحماية حقوق الأطفال.

تكرر قتل الأطفال خلال تجمعهم للعب في الشوارع والساحات

استشهد 62 طفلاً دون عمر الخامسة عشرة في مجزرة مخيم النصيرات

تكررت وقائع تحويل الاحتلال ساحة للعب الأطفال إلى ساحة شهداء

يستهدف جيش الاحتلال الأطفال كما الكبار في قطاع غزة، وتكرر قتل الأطفال خلال تجمعهم للعب في الشوارع والساحات، رغم أن طائرات الاستطلاع ترصد كل ما يتحرك في أنحاء القطاع.

جسّدت مجزرة مخيم النصيرات التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي يوم السبت الماضي، مشهداً إجرامياً يضاف إلى جرائم جيش الاحتلال المتعددة، عندما أغار على ساحة فيها أطفال يلعبون، ما خلّف استشهاد 62 طفلاً دون عمر الخامسة عشرة، من بينهم أطفال كانوا في الساحة التي اعتاد الأطفال على اللعب فيها يومياً.
استشهدت الطفلة مريم العيسوي (ثماني سنوات) بينما كانت تلعب في وسط المخيم، وفي آخر مرة شاهدها فيها والدها محمود العيسوي كانت تلعب "الحجلة" بالقرب من المنزل رفقة عدد من أبناء الحي، قبل أن يتوجه إلى السوق لمحاولة شراء بعض الطعام لعائلته في ظل صعوبة توفير الطعام وغلاء الأسعار.
أثناء المجزرة، كان العيسوي عاجزاً عن التوجه إلى المنطقة التي تقيم فيها عائلته في ظل تقدم المركبات الإسرائيلية وإطلاق النار عشوائياً على الناس، وبعد انتهاء المجزرة، عثر عدد من أصدقائه على جثامين أطفالهم، في حين ظل يبحث عن ابنته مريم، حتى وجدها شهيدة في إحدى الزوايا، وكانت تمسك بحجر "الحجلة"، إذ استشهدت بينما تنتظر دورها في اللعب نتيجة القذائف التي ألقاها الاحتلال مباشرة على المنطقة.
يقول العيسوي لـ"العربي الجديد": "أعدم الاحتلال الأطفال عبر القذائف العشوائية قبل تسلل القوات الخاصة، وكانت طفلتي الصغيرة مثل كثير من الأطفال تعرف معنى القصف، وتذكر بعض أنواع الطائرات، وحتى طبيعة القذائف، فنحن نعيش في محيط لا نستطيع فيه إخفاء أي معلومة عنهم، فهم يسمعون يومياً الأحاديث عن الأوضاع السياسية والمعيشية. إنهم أطفال لكنهم كبروا سنوات خلال العدوان، ولو كان بإمكان أجسادهم أن تحكي لحكت الكثير للعالم".

استشهد 62 طفلاً دون عمر الخامسة عشرة في مجزرة مخيم النصيرات

يضيف: "لا أعرف ما الذنب الذي ارتكبه أطفالنا، والعالم ركز بعد المجزرة على المحتجزين الإسرائيليين وحدهم، بينما هم محتلون، ويوجدون في منطقة محتلة بحسب القوانين الدولية. الجميع يركز على صور المحتجزين، بينما أطفالنا الذين دفعوا الثمن بأرواحهم لا أحد يتذكرهم. طفلتي استشهدت ضمن عشرات الأطفال الذين كانوا يلعبون أو نائمين. كل أطفالنا جائعون منذ أشهر، وحتى إننا لا نملك توفير الطعام لهم، ولا أحد يهتم بتلك المعاناة".
يتابع العيسوي: "استشهدت ابنتي مع أطفال آخرين بينما كانوا يلعبون الحجلة عبر استخدام طباشير جمعوه من داخل مدارس (أونروا) التي لا يزال فيها بعض الطباشير، واستشهد أطفال آخرون بينما كانوا يلهون في داخل المدرسة عبر استخدام الطباشير في الرسم على السبورة المدرسية أو الرسم على أرضيات المدارس والمخيم".

أعداد الشهداء في مجزرة النصيرات صادم (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
أعداد الشهداء في مجزرة النصيرات صادمة (أشرف أبو عمرة/الأناضول)

ولم تكن تلك الواقعة الأولى التي تتحول فيها ساحة للعب الأطفال إلى ساحة للشهداء الصغار، إذ سبقتها مجازر عديدة، أشهرها مجزرة مستشفى المعمداني، حيث كان الأطفال يلعبون بالقرب من ساحة المستشفى قبل أن يباغتهم القصف الإسرائيلي، وكذلك المجزرة التي جرت في مخيم جباليا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ومجازر مشابهة في مدينة رفح وفي حي الشجاعية وحي الزيتون بمدينة غزة، وفي جميعها خرج الأطفال حينها للعب، وعادوا جثامين إلى أهاليهم.
ويتبين من تلك المجازر أنها سياسة ممنهجة للاحتلال الإسرائيلي بحق الأطفال، والذي يكرر عرض مقاطع فيديو لقصف ما يدعي أنها أهداف عسكرية في القطاع، ويتفاخر بهذا بوصفه إنجازاً، بينما يعلم قادته من خلال ما ترصده طائرات الاستطلاع التي لا تغادر سماء قطاع غزة بوجود الأطفال في الساحات التي يقصفها، وفي المنازل التي يدمرها فوق رؤوس ساكنيها.

تعمد جيش الاحتلال قتل المئات في مخيم النصيرات (علي جاد الله/الأناضول)
تعمد جيش الاحتلال قتل المئات في مخيم النصيرات (علي جاد الله/الأناضول)

استشهد اثنان من أطفال نائلة السبع وهما يلعبان بالقرب من ساحة مستشفى المعمداني الخلفية خلال المجزرة الإسرائيلية في المستشفى الواقع في البلدة القديمة من مدينة غزة، كما استشهد أطفال من عائلتها في حي الزيتون في يناير/كانون الثاني الماضي، بينما كانوا يلعبون في شوارع الحي القريبة من شارع صلاح الدين.
تقول السبع لـ"العربي الجديد": أعدم الاحتلال ابني يزن (خمس سنوات) وابنتي فلة (تسع سنوات)  بينما كانا يلعبان في الشارع. دولة الاحتلال تدعي امتلاك التكنولوجيا، وأنها تصور أدق التفاصيل حين ترغب في تسطير إنجازات عسكرية، لكنها تنكر أنها كانت تعرف أن في المكان الذي تقصفه عشوائياً أطفالاً. أصبحنا على يقين أنهم يريدون قتل الأطفال والمسنين والمرضى والنساء. طفلتي كانت تحمل دمية عند استشهادها، وقد تلطخت الدمية بالدماء، وقد أعدم جيش الاحتلال طفل شقيقتي في حي الزيتون، وقد تولت بنفسها دفن جثمان طفلها الشهيد الذي ظل ملقى على الأرض ساعات عدة، وكان معه اثنان من الأطفال الشهداء. طائرات الاستطلاع تصور كل شيء، لكن الحقيقة أنهم يريدون قتل الأطفال، ويتحججون بالمحتجزين أمام المجتمع الدولي في حين يرفضون تنفيذ كل القرارات الدولية".
وتجاوزت أعداد الأطفال الشهداء منذ بداية العدوان الإسرائيلي حتى التاسع من يونيو/حزيران، 15 ألفاً و620 طفلاً شهيداً، إضافة إلى أكثر من 30 ألف طفل مصابين بإصابات متنوعة، من بينها إعاقات دائمة وبتر أطراف.

لا يفرق جيش الاحتلال في القتل بين الكبار والصغار (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
لا يفرق القتل الإسرائيلي بين الكبار والصغار (أشرف أبو عمرة/الأناضول)

أغار الاحتلال الإسرائيلي على مخيم جباليا في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بينما كان عشرات الأطفال يلعبون في الشارع، فاستشهد ثمانية أطفال من عائلات أبو سلطان والنجار والشريف، بينما كانوا يلعبون كرة القدم في الشارع.
يقول أحمد الشريف (37 سنة) لـ"العربي الجديد": "مخيم جباليا شاهد على وقائع كثيرة من إعدام الأطفال وهم يلعبون في الشوارع عبر القصف العشوائي، وأطفال شقيقي عمر (11 سنة) ويزن (تسع سنوات) استشهدا وهما يلعبان بالكرة التي اشتريتها لهما حتى يبقوا بالقرب من المنزل، ولا يذهبوا إلى المناطق الخطيرة أثناء القصف، ورغم ذلك طاولهم القصف وقتلهم".

تكررت وقائع تحويل الاحتلال ساحة للعب الأطفال إلى ساحة شهداء

وانتشرت عشرات من مقاطع الفيديو لجنود الاحتلال الإسرائيلي التي تحاول التقليل من قيمة ضحايا قطاع غزة، إضافة إلى مقاطع توثق اعترافات جنود حول قيامهم بقتل الأطفال، وإيمانهم بأن أطفال غزة سيكبرون في يوم ما ويتحولون إلى مقاومين لمواجهة مشروعهم الاستيطاني.
ويقول مصدر من منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في الأراضي الفلسطينية لـ"العربي الجديد": "صُنِّف أطفال غزة بعد الحرب المستمرة للشهر التاسع على التوالي بأنهم غير محميين بموجب القانون الدولي الإنساني، وتوثيق تجاوزات بحقهم وفق اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل لعام 1989، وهي معاهدة حقوق الإنسان التي حازت أكبر قدر من التصديقات عالمياً. تصنيف إسرائيل في القائمة السوداء للدول التي ترتكب انتهاكات بحق الأطفال جاء بناءً على تقارير "يونيسف" وعدد من المنظمات الحقوقية الدولية، وكانت هناك آمال بإيقاف تلك الانتهاكات في قطاع غزة، لكن فوجئنا بعملية النصيرات الأخيرة. لا يوجد أي تطبيق لمبادئ حقوق الطفل في قطاع غزة، ولا حتى احترام للقرارات والمواثيق الدولية".

وليست الجرائم الإسرائيلية بحق أطفال قطاع غزة مقتصرة على الجرائم المرتكبة خلال العدوان الحالي، إذ كرر جيش الاحتلال جرائم مماثلة خلال مرات العدوان السابقة، ولا ينسى أهالي غزة واقعة استشهاد أربعة من أطفال عائلة بكر في منطقة الميناء غربي مدينة غزة في 16 يوليو/تموز 2014، عندما قصفت بارجة إسرائيلية مباشرة الأطفال بينما كانوا يلعبون الكرة، وهي مشاهد وثقتها الكاميرات قبل المجزرة وبعدها.
وفي السابع من أغسطس/آب 2022، أعدم الاحتلال خمسة أطفال من عائلة نجم التي كانت تقيم بمنطقة الفالوجا في مخيم جباليا شمالي القطاع، بينما كانوا يلعبون كالعادة بالقرب من منطقة مقبرة الفالوجا، واستشهد الأطفال الخمسة، وتحولت جثامينهم إلى أشلاء، قبل أن ينكر جيش الاحتلال مسؤوليته عن الواقعة، لكنه اعترف لاحقاً بالمسؤولية عنها، مبرراً الجريمة بأنه لم يكن يقصد قتلهم.

المساهمون