تنتشر بين سكان مناطق شمال غربي سورية متلازمة القولون المتهيج. وهي من الاضطرابات الشائعة التي تصيب الأمعاء الغليظة، ومن أعراضها تقلصات وآلام في البطن والانتفاخ والغازات، والإسهال أو الإمساك أو كليهما. وتقلق المتلازمة كثيرين من المصابين بها. بعض هؤلاء فقدوا الأمل بإيجاد علاج لها واضطروا إلى التعايش معها.
من جهته، يتعايش جميل الخضر (46 عاماً)، المهجر من ريف حمص الشمالي، مع المتلازمة منذ نحو 20 عاماً. ويؤكد لـ "العربي الجديد" أنه جرب كافة العلاجات المتاحة وما زال. وجلّ ما يحصل عليه هو فترة من الراحة لا أكثر. ويقول إن "انتفاخ البطن لا يزول نهائياً. وفي بعض الأحيان، وبمجرد تناول الطعام، أتقيأ بعد نوبة سعال حادة. في السابق، كنت أظن أنني أعاني من مرض رئوي. لكن تشخيص الطبيب أظهر أمراً مختلفاً". يضيف: "أعيش معاناة حقيقية. ولا أظن أنني سأُشفى وخصوصاً في وضعي الحالي. أنا رب أسرة مهجر يركض خلف لقمة العيش ولا يكاد يحصل على شيء".
أما عيسى الأحمد الذي لم يتجاوز الثلاثين من العمر، فيقول إنه بدأ يعاني من متلازمة القولون المتهيج منذ عام 2015. "بداية، لم يكن هناك آلام أو أي أعراض أخرى. لكن فجأة، أصبت بوعكة صحية نقلت على إثرها إلى المستشفى، ليتبين أنه لدي مشكلة في القولون".
أول ما يفعله الأحمد لدى استيقاظه هو تناول دواء مضاد لحموضة المعدة، ليتابع يومه بألم وانزعاج أقل. يضيف: "يصعب جداً علي الالتزام بحمية غذائية وضبط مواعيد تناول الطعام بسبب عملي وطبيعة الحياة التي أعيشها في مخيم أطمة (ريف إدلب)". وغالباً ما يكتفي بوجبة واحدة لعدم قدرته على تناول المزيد. ويضطر أن يتناول أدوية تخفف من حموضة المعدة عند تناول الطعام، مشيراً إلى أن المعاناة تزداد مع انخفاض درجات الحرارة والشعور بالبرد. من جهة أخرى، لم يتمكن من الإقلاع عن التدخين على الرغم من توصيات الأطباء. ويشير إلى أن بعض الأطباء الذين عاينوا حالته أشاروا إلى أن العامل الوراثي هو السبب. لذلك، شدد الطبيب على أهمية الالتزام بالدواء بمواعيده مع ضرورة اتباع حمية. "أحاول اتباع النصائح قدر المستطاع، لكنني لا أعتقد أن المرض قد يزول".
وغالباً ما يلجأ مرضى القولون المتهيج إلى تناول الأدوية من دون استشارة طبيب، على اعتبار أن الكثير منها تباع من دون وصفة طبية، الأمر الذي قد يفاقم معاناتهم مع الوقت. وتشير التوصيات الطبية إلى أهمية مراجعة الطبيب والالتزام بتوصياته.
في هذا الإطار، يوضح الطبيب محمد أبو نقرة في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن "مرض القولون العصبي أو القولون المتهيج هو مرض مجهول السبب، لكن تلعب الوراثة دوراً في ظهوره. وقد يظهر لدى بعض الناس بعد التهاب المعدة والأمعاء الفيروسي. وهناك ارتباط بين القولون العصبي والتوتر بالإضافة إلى بعض أنواع الأغذية". ويوضح أنّ "الوقاية ترتكز بالدرجة الأولى على الحمية الغذائية، وتجنب التوتر، وتفادي تناول الأغذية التي يمكن أن تهيّج القولون وفي مقدمتها منتجات القمح والشعير، بالإضافة إلى بعض أنواع الفاكهة منها التفاح والبطيخ وتلك المجففة، والبقوليات مثل الفاصولياء، بالإضافة إلى الثوم والبصل والفطر والفليفلة الحارة والفستق والعسل والمثلجات".
كما يتحدث عن خطورة استخدام الأدوية المضادة للحموضة. ويقول: "الاستخدام الطويل الأمد لهذه الأدوية يمكن أن يؤدي إلى نقص في امتصاص الفيتامين د والفوسفور، الأمر الذي يؤدي إلى الإصابة بهشاشة العظام. كما أن حموضة المعدة تلعب دوراً في حماية الجسم من الجراثيم". يتابع: "نوصي المرضى الذين يعانون من مشاكل في المعدة والقولون العصبي عدم أخذ الدواء بشكل عشوائي ومراجعة أقرب طبيب أو مركز صحي". من جهة أخرى، يرى أن التوعية هي نصف العلاج، ويجب أن يعلم المرء أن المرض مزمن والأدوية تعطى لتخفيف الأعراض وليس للشفاء من المرض.
من جهته، يقول أحمد المصطفى، الذي تعافى من آلام وعوارض متلازمة القولون المتهيج، لـ"العربي الجديد" إنّ المعاناة التي عاشها كانت السبب الأساسي لالتزامه توصيات الطبيب بشكل حرفي، والالتزام بحمية غذائية قاسية. ويوضح أنّ حالته تدهورت خلال عام وبات يعاني من انتفاخ في البطن وارتجاع المريء وحموضة دائمة في المعدة. ومع ازدياد حالته سوءاً، اضطر إلى زيارة الطبيب. وتحسنت حالته خلال 3 أشهر بعد التزامه بتوصيات الطبيب. يتابع المصطفى: "جربت العلاج بالأعشاب وكلها من دون جدوى. وفي مرحلة من المراحل، اضطررت إلى تناول أكثر من ثلاث حبات دواء مضادة للحموضة. كان وضعي سيئاً جداً. أنصح الذين يعانون من متلازمة القولون المتهيج الالتزام بتعليمات الطبيب بدلاً من تصديق الشائعات. تعليمات الطبيب والحمية الغذائية تساهمان في الحد من الألم بدرجة كبيرة، إن لم يتحقق الشفاء".