تحظى إحدى المناطق القطبية الشمالية في السويد أخيراً باهتمام من قبل وسائل الإعلام المحلية بسبب قرار يقضي بنقل مدينة كيرونا بسكانها وبعض مبانيها التاريخية إلى منطقة أخرى. والمدينة التي تمثّل مركز بلدية كيرونا التاريخية أو كما يُطلق عليها بالسويدية "كيرونا كومّون"، تقع في أقصى الشمال السويدي بإقليم لابلاند. والمنطقة غنيّة بمعادن كثيرة، ما جعلها نقطة جذب للباحثين عن العمل في التنقيب منذ منتصف القرن السابع عشر وحتى بدايات القرن الماضي، علماً أنّها تضمّ أكبر مناجم خام الحديد.
في المنطقة حيث تقع مدينة كيرونا، وهي النقطة الوحيدة التي تتلاقى فيها حدود السويد مع بلدَين من دول الشمال الأوروبي، النرويج وفنلندا، فإنّ الشمس لا تشرق كثيراً في فصل الشتاء على سكان المدينة الذين يتخطّى عددهم 23 ألف نسمة، علماً أنّ مساحتها تُقدَّر بنحو نصف مساحة هولندا. وثمّة 50 قرية تقريباً تابعة لبلدية كيرونا، ويحظى كلّ قاطن فيها بمساحة كيلومتر مربّع واحد تقريباً، وهو ما يُعَدّ من كبرى المساحات التي يتمتّع بها سكان مناطق شمالي السويد. وفي المنطقة التي يتحدّث سكانها بثلاث لغات وتضمّ ثقافات قديمة، يقيم مهاجرون لم يولدوا في السويد ويشكّلون نحو 10 في المائة من مجموع سكانها.
ويقع أعلى جبال السويد الجليدية، كيبنكايسي، في المنطقة ذاتها مع ارتفاع عن مستوى سطح البحر يزيد عن 2100 متر، ومن قمّته في الإمكان مشاهدة نحو تسعة في المائة من البلاد، علماً أنّ المنطقة تضمّ جبالاً عدّة يتراوح ارتفاعها ما بين 1500 متر و2000 متر، كذلك ثمّة مئات البحيرات، كبراها تورنتراسك التي تمتدّ بطول 70 كيلومتراً. وبطبيعة الحال، فإنّ الثلوج تغطّي المنطقة في معظم أشهر العام، وهو ما يساعد في ساعات النهار المشمسة والقليلة على التغلّب على الظلام. وقبل بضعة أعوام، قرّر مجلس البلدية هذه المدينة نقل المدينة من موقعها الحالي إلى موقع آخر على بعد بضعة كيلومترات.
وفي خلال شهر ديسمبر/ كانون الأوّل الجاري، راحت شاحنات عملاقة تتنقّل ببطء شديد ولساعات في شوارع كيرونا، وقد حُمّلت بالمباني التاريخية التي رُفعت من أساسها على أن تُرمَّم وتركَّز في موقع جديد. ويتابع السكان في المنطقة الواقعة في الدائرة القطبية الشمالية عملية نقل المدينة بحماسة، بعدما وافقوا قبل أعوام في استفتاء شعبي على الانتقال منها بعد أكثر من قرن على تأسيسها.
وكان سكان مدينة كيرونا قد وافقوا على نقلها من دون معارضة، إذ إنّ مدينتهم أُنشئت في الأساس بسبب احتوائها أكبر منجم لخام الحديد في القارة الأوروبية، وبالتالي فإنّ عملية النقل تأتي لمصلحة توسيع المنجم بطريقة أكثر سلاسة بعدما تلقّت البلدية رسالة في عام 2004 من الشركة المشغّلة للمنجم والتابعة للدولة تفيد بأنّ من الضروري نقل المدينة للتمكّن من الاستمرار في أعمال المنجم، وذلك بسبب التشقّقات التي باتت تهدّد المباني بالانهيار.
وكان السويديون قد تدفّقوا إلى هذه المنطقة الباردة في بداية القرن العشرين ليؤسّسوا حياة جديدة بعيدة عن مناطق الداخل السويدي، وقد توارثوا بمعظمهم العمل في المنجم الضخم الذي ينتج نحو 90 في المائة من خام الحديد في الاتحاد الأوروبي. وبحسب ما يفيد موقع بلدية كيرونا الرسمي، فإنّ كميات حديد تكفي لبناء ستة أبراج مماثلة لبرج إيفل الشهير في باريس، تخرج يومياً من المنجم.
وعملية انتقال كيرونا تجري بأسلوب دقيق جداً، ومن خلال مهندسين ماهرين في رفع المباني التاريخية من أساسها ونقلها بواسطة شاحنات ضخمة تسير لساعات لاجنياز مسافة ثلاثة كيلومترات. ومن بين تلك المباني كنيسة المدينة الخشبية التي فازت قبل أعوام بجائزة أجمل كنيسة سويدية. وحتى الآن، نُقل أهمّ 30 مبنى شُيّدت في عام 1900، وسوف تتواصل عملية نقل البيوت والمباني حتى عام 2035. لكنّ هذا لا يعني أنّ انتقال السكان إلى المنطقة الجديدة سوف يتأخر حتى ذلك العام، فقد أُنشئت عملياً البنى التحتية الجديدة، بما فيها مجلس البلدية والمساكن، مع العلم أنّ المباني القديمة التي يتعذّر نقلها والتي تقع فوق أنفاق المنجم الضخم سوف تُهدم.
وفي سياق متصل، توضح المشرفة على عملية النقل من مجلس بلدية كيرونا، نينا إلياسون، للصحافة المحلية السويدية أنّ نقل مبنى تاريخي واحد يستغرق ساعات لقطع المسافة المحدّدة، "لكن قبل ذلك، يكون المهندسون والعمّال قد عملوا لمدّة عام من أجل رفعه من أساسه والحفاظ عليه سليماً لنقله برفق إلى مكانه الجديد". وتشمل عملية النقل إنارة الشوارع التاريخية والمعالم القائمة "ليشعر السكان بأنّ تاريخهم متواصل" بحسب ما تذكر مسؤولة المجلس البلدي في كيرونا، كريستينا زاكريسون، في حديث صحافي، مؤكّدة أهمية نقل المعالم كما هي "إذ إنّ ذاكرة الناس مرتبطة بكيرونا (كما هي). هم عبر الأجيال، انتقلوا للعمل في المنجم، وبالكاد تجد شخصاً لم يعمل أحد أقاربه في أكبر مناجم السويد وأوروبا".
تجدر الإشارة إلى أنّ مبنى مجلس المدينة الجديد الذي انتهى تشييده في عام 2018 سُمّي "الكريستال"، وقد أخذ شكلاً دائرياً في تعبير عن الديمقراطية، بحسب تصميم شركة هندسة دنماركية. ويساعد التصميم الدائري في التغلّب على قلة الضوء في المنطقة القطبية، إذ تُستغَّل كذلك الطاقة المستدامة كتعبير عن تماشي المنطقة مع التغيّر الأخضر للسويد في اتجاه سياسات بيئية نظيفة، وهو ما أخذته البلدية في عين الاعتبار مع سياسات نقل السكان وإنشاء البنى التحتية الجديدة.