يخشى السودانيون ظاهرة السرقات والخطف التي ارتفعت في الآونة الأخيرة. ويقرعون جرس الإنذار لتدارك الوضع بأسرع وقتٍ ممكن، من خلال المطالبة بوضع خطة متكاملة لضبط التفلت الأمني.
مع تكرار ظاهرة السرقات والخطف بالشوارع، يخشى السودانيون أن تصل الخرطوم إلى ما وصل إليه قبل سنوات بعض المناطق الأخرى. ويقرعون أجراس الإنذار لتدارك الوضع بأسرع وقت.
يروي الصحافي محمد جادين، أنّه وبعد أن أنهى سهرته المسائية، قرّر العودة إلى منزله الكائن بأحد الأحياء القريبة من وسط الخرطوم. وعند انتظاره بشارع الجامعة للحصول على وسيلة نقل، توقفت أمامه سيارة عسكرية، عرض من فيها أخذه معهم ومساعدته للوصول إلى وجهته، فوافق ومعه شخص آخر. وحين طلب من السائق التوقف في المكان الذي يريده، قام من في السيارة بضربه، وأخذوه هو وصاحبه، إلى منطقة غابيّة، ونهبوهما. يقول جادين لـ"العربي الجديد": "إنّ الخرطوم ستصبح مدينة غير آمنة كليّاً إذا لم تتم مكافحة هذا النوع من الجرائم الخطيرة التي تحدث أمام أقرب مؤسسات الدولة السيادية". ويشير إلى أنّ ظاهرة السيارات والدراجات النارية التي لا تحمل لوحات تساهم في انتشار تلك الجرائم.
وعند الذهاب إلى قسم الشرطة لتدوين محضر، تبيّن وجود 7 بلاغات جنائية مماثلة دُوّنت من أشخاص تعرّضوا للنهب بذات الطريقة، مشيراً إلى عدم القبض على الجناة حتى بعد مرور أسابيع على الحادثة.
حالة محمد جادين، واحدة من حالات جرائم عديدة تحصل بالخرطوم، استُخدمت فيها القوة والترهيب. وفي بعض الأحيان يدخل المجرمون في مساومات مالية مع الضحية لاسترداد مقتنياته.
ومع تكرار جرائم الخطف وظهور عصابات عُرفت بـ"النيقز"، نفذت شرطة الخرطوم حملة سمتها "البرق الخاطف" في مدن الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان. واستمرت الحملة لأيّام وانتهت بالقبض على عددٍ من المجرمين. وضربت أوكارهم وأوقفت السيارات والدراجات النارية التي لا تحمل لوحات، بحسب بيانات لاحقة صادرة عن الشرطة التي طمأنت في أكثر من مناسبة المواطنين بتعهدات بملاحقة كل من تسول له نفسه المساس بأمن المواطن وترويع العاصمة. وذكرت الشرطة أنّ لديها "من الخطط التفصيلية ما يكفي لحسم التفلت الأمني". وحثت المواطنين على ضرورة التعاون معها والإبلاغ عن أيّ حالات اشتباه.
من جهته، يقول الخبير في شؤون الشرطة عمر عثمان: "إنّ أداء الشرطة قبل سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير بفترة كان أفضل مما هو عليه اليوم. لاحظ الجميع في الأيام الأولى للثورة انسحاباً للشرطة من مواقع الأحداث، ما أثار تساؤلات عديدة لتركه فراغاً أمنياً". وبحسب تقديره، هذا ما قاد إلى ظهور تفلتات أمنية عبر ظهور عصابات نهب تمددت كثيراً في تلك الفترة، حتى عادت الشرطة مرة أخرى.
ويوضح عمر لـ"العربي الجديد": "إنّ الوضع الأمني يحتاج إلى خطة متكاملة لضبط التفلت الأمني من خلال تنفيذ دوريات مستمرة في الأحياء والأسواق، وإعادة توزيع نقاط ومراكز الشرطة، خصوصاً وأنّ الشرطة تعمل بخطط قديمة وبلا أي استراتيجية، وتركز على ملاحقة المجرم بعد وقوع الجريمة، من دون الاهتمام بالعمل الوقائي والمنعي، وعدم تفعيل رقم الطوارئ الخاص بالنجدة (999) هو واحد من أهمّ الأسباب". ويشير إلى أنّه في حال تمّ الاتصال بذلك الرقم هذه الأيام فلن يجد المتصل استجابة سريعة كما كان يحدث في الأعوام الماضية، منتقداً افتقاد أقسام الشرطة لأبسط الخدمات.
يتفق الكاتب الصحافي بكري المدني، مع مجمل ما قاله عثمان، لكنّه ينبّه إلى تدهور الروح المعنوية لأفراد الشرطة بعد الثورة، عطفاً على حملات تجريمها وتحميلها الكثير من المسؤولية في جرائم سابقة. ويشير المدني لـ"العربي الجديد" إلى عدم توفير الميزانية الكافية لعمل الشرطة، مع إقدام الدولة على حلّ إدارة العمليات بجهاز الأمن، وتجريد الجهاز من الكثير من صلاحياته. يضيف: "إنّ ضعف هيبة الدولة والفهم الخاطئ للمدنية التي كرّست لها الثورة، أعطيا انطباعاً خاطئاً، عكس سيادة القانون، ما ساهم في انتشار تلك الجرائم". ويُذكّر بأنّ الظروف الاقتصادية والمعيشية التي يمرّ بها السودانيون تلعب دوراً ظاهراً فيها. ويوضح أنّ تقوية عمل الشرطة واستعادة الثقة بها ووقف الحملات السياسية، تعدّ ضمانة أقوى للسيطرة على التفلتات الأمنية.
ويتحدّث المحامي طارق الياس، عن توقف الشرطة عن زيادة كاميرات مراقبة في الشوارع العامة، وتقاعس سلطات ولاية الخرطوم عن إضاءة الكثير من الشوارع وعدم مراقبة التجمعات العامة خصوصاً في محطات النقل. أما الباحث الاجتماعي، علم الدين محمد، فيقلل من كلّ تلك المخاوف، ويرى أنّ "ما يحدث في الخرطوم نتيجة طبيعية للتغييرالسياسي في البلاد". ويؤكّد لـ"العربي الجديد" أنّ الأمن في السودان يقوم على المجتمع الذي يساند بعضه البعض لتحقيق أمنه واستقراره، وأنّ العمل الشرطي يكمل ذلك الجهد المجتمعي.