استمع إلى الملخص
- **التغير المناخي والزراعة**: التغير المناخي أثر بشكل كبير على الإنتاج الزراعي، حيث يواجه المزارعون مشكلات بسبب ارتفاع درجات الحرارة والجفاف، مما يهدد سبل عيشهم.
- **التحديات البيئية والجيوسياسية**: تغطي المناطق الصحراوية 72% من السودان، والحرب زادت من استخدام الفحم والخشب، مما يفاقم التلوث ويهدد بانتشار الأمراض والمجاعة.
يُظهر السودان بعد أشهر من الحرب المندلعة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف إبريل/ نيسان الماضي، علامات صارخة على الضعف في مواجهة تغيّر المناخ.
وينقل موقع مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية عن تقرير نشرته جامعة نوتردام هذا العام، أن "السودان يُصنّف بين البلدان الأعلى تسجيلاً لدرجات الضعف، والأكثر انخفاضاً على صعيد الاستعداد". ويشير ذلك إلى أن مستويات التحديات كبيرة جداً، وتحتاج إلى أعمال وتدخلات ومساعدات ملحّة في وقت تمنع عقبات هائلة تحقيق السودان الأمن الغذائي والتنمية المستدامة حتى إذا توقف الصراع الحالي.
أيضاً يعرقل تدهور النظم البيئية واستنزاف الموارد الطبيعية قدرة الدولة على معالجة الفقر وعدم المساواة. وعلى مر السنين خلّف التغيّر المناخي تأثيرات عميقة على الإنتاج الزراعي في السودان. ومثلاً واجه 2.7 مليون مزارع وراعٍ في دارفور مشكلات المنافسة على الأراضي والموارد المائية بسبب التغيّر المناخي.
ولا يتردد محللون في القول إن "الصراع في دارفور يشكل مثالاً مؤثراً لكيفية تصاعد الضغوط البيئية التي فاقمت إلى جانب نقاط الضعف الاجتماعية والسياسية القائمة، وجعلها أزمة إنسانية كاملة وصراعاً مسلحاً".
ويوضح خبراء أن انخفاض الإنتاج الزراعي ارتبط بارتفاع درجات الحرارة، وهطل الأمطار هطلاً مفاجئاً وبكميات غير متوقعة، وتكرار الجفاف، وتدهور حالة الأراضي، وافتقار البنى الأساسية الفعّالة للري.
ويشير هؤلاء إلى أن درجة الحرارة ترتفع بمعدل يعادل ضعف المتوسط العالمي في السودان، ويتوقعون أن ترتفع درجات الحرارة المتوسطة بين 1.5 درجة مئوية و3.1 درجات مئوية في أغسطس/ آب 2060، ما يعني موجات حرّ شديدة تؤثر على سبل عيش المزارعين، وتزيد التبخر والإجهاد المائي، ما يجعل بعض المناطق المنتجة سابقاً غير صالحة للزراعة.
ومعلوم أن المناطق الطبيعية الصحراوية وشبه الصحراوية تغطي نحو 72% من مساحة أراضي السودان، في حين يعتمد بين 60 و80% من الأسر السودانية اعتماداً كبيراً على الزراعة الحساسة للتغيّرات المناخية، ما يعني أن بلدهم تقترب اقتراباً خطيراً من أن تصبح غير صالحة للسكن.
وتتوقع دراسات أن تنحصر المناطق المناسبة لزراعة المحاصيل الغذائية في المستقبل في الجنوب، وأن تصبح معظم مناطق الشمال غير صالحة للزراعة، علماً أن الجفاف يهدد نحو 19 مليون هكتار من الأراضي المطرية، خاصة في كردفان ودارفور والولايات الشمالية، ومن ثم بالمجاعة وندرة المياه.
ولا شك في أن تلوّث التربة والممارسات الضارّة مثل إزالة الغابات والرعي الجائر زادت تعرّض السودان للجفاف، كما زاد ارتفاع ملوحة التربة، بسبب الظروف القاحلة وممارسات الري غير المناسبة، سلباً على جودتها، وألحق المزيد من الضرر بالإنتاج الزراعي.
أيضاً سلّط بناء سد النهضة في إثيوبيا الضوء على التفاعل المعقد بين موارد المياه وتقلبات المناخ في حوض النيل الأزرق، فهو طرح تحديات وتعقيدات جيوسياسية، خصوصاً أن السودان يفتقر إلى التنسيق الفعّال وتبادل البيانات مع إثيوبيا، ما يدق ناقوس الخطر في شأن ضعفه وعدم استعداده للتعامل مع الأزمات.
ويتحدث خبراء عن أن سد النهضة يزيد المخاوف من سلامة سدود السودان، ويحذرون من أن الأمطار الغزيرة أو الفيضانات المفاجئة التي تحتم إطلاق كميات كبيرة من المياه من السد الإثيوبي قد تضغط على سدود السودان التي تقع في اتجاه مجرى النهر، وتسبّب انهيارات وفيضانات تشبه ما حصل في درنة.
وفي شأن العواقب المباشرة للحرب الحالية على البيئة زاد نزوح ملايين من ديارهم استخدام الفحم والخشب للوقود، علماً أن إلغاء الدولة دعم الوقود الأحفوري عام 2020 كان حرّك هذا الأمر.
ومن المخاطر البيئية المستجدة التلوث ونقص التخلص من النفايات الصحية الذي يهدد بالمساهمة في انتشار الأمراض المعدية، مثل حمى الضنك والملاريا والكوليرا والإسهال، بسبب تلوث المياه والجثث غير المدفونة، وانقطاع الخدمات الطبية وتدمير البنى الأساسية الحيوية.
وقد أوقف العديد من المزارعين ومنتجي الأغذية عملياتهم، وغادروا أراضيهم بسبب انعدام الأمن، وتعطلت سلاسل التوريد التي تتركز في العاصمة الخرطوم. كما نُهِبت مستودعات للأسمدة والبذور والمبيدات الحشرية.
وأبلغ مزارعون عن صعوبات في جمع الأموال لأنهم يعتمدون عادة على عائدات بيع محاصيل الموسم السابق. ويزيد ذلك احتمال حدوث مجاعة في ظل توقف المساعدات الإنسانية وشلل النظام المالي الزراعي.