يسعى السودان إلى تفعيل قوانين السلامة المرورية، لزيادة الأمان على الطرقات، بعد تصاعد مستمر في الحوادث المرورية التي تقتل مئات الأشخاص سنوياً
قال وزير الداخلية السوداني عز الدين الشيخ، قبل أيام، إنّ وزارته حريصة على ضمان السلامة المرورية على الطرقات السريعة والداخلية، إلى جانب الاهتمام بإيجاد المعالجات اللازمة لمشاكل الطرقات في البلاد التى تتسبب فى وقوع حوادث مرورية مميتة. وأشار الشيخ الذي يشغل أيضاً منصب رئيس مجلس تنسيق السلامة المرورية، إلى ضرورة الاهتمام بتفعيل برامج السلامة المرورية واجتذاب الخبرات اللازمة.
في السودان، أرقام مخيفة لضحايا حوادث المرور، ففي العام 2018 رصدت السلطات وقوع 9823 حادثاً، تسبب 1314 من بينها في وفيات لم يحدد عددها، وفي العام 2019 ارتفعت الوفيات والإصابات الناتجة عن حوادث السير بنسبة 20.2 في المائة عن 2018، في حين لم تصدر التقاريرالخاصة بالعام 2020 بعد.
يعمل مجلس السلامة المرورية وشرطة المرور، على تعزيز السلامة المرورية من خلال حملات التوعية المستمرة عبر وسائل الإعلام والتوعية الميدانية المباشرة، والمحاضرات في الجامعات والمدارس، وتوزيع الملصقات والانتشار الواسع بكلّ الطرقات وتخصيص خط ساخن للخدمات المرورية، كما يؤكد. لكنّ المواطنة فاطمة إبراهيم، وهي أم لخمسة تلاميذ، تقول إنّها لا تشعر بأيّ أمان حين يذهب أولادها إلى المدارس، لأنّ درجة الخطر مرتفعة جداً، خصوصاً في ظلّ غياب حملات التوعية.
تقول لـ"العربي الجديد"، إنّ الفترة الوحيدة التي تتكثف فيها حملات التثقيف هي أسبوع المرور العربي، لذلك، فإنّ ثقافة كثير من السودانيين ضعيفة جداً بشأن السلامة المرورية، سواء لدى المواطن العادي أو السائقين. وتنبه إلى أنّ شارات المرور التي يفترض أن تعمل لمدة 24 ساعة باتت تتوقف مع انقطاع التيار الكهربائي، مبدية أسفها لغياب منهج في المدارس حول السلامة المرورية، إذ اكتشفت أنّ أولادها لا يعلمون شيئاً سوى ألوان شارات المرور.
يرى الخبير في مجال المرور، الرائد المتقاعد الفاتح المقبول، أنّ السلامة المرورية لن تتحقق فقط بتفعيل قوانينها، لأنّها عملية متكاملة تعني رفع الخطر والوصول إلى أفضل استخدام للطرقات المجهزة، وتحقيق أعلى قدر من السلامة المرورية، وتقليص الازدحام المروري، وتسهيل حركة المرور في الطرقات ذات الكثافة المرورية، مع المحافظة على البيئة. يوضح المقبول لـ"العربي الجديد"، أنّ العمل في إدارة حركة المرور، يقوم على محاور ثلاثة؛ تربوي يتعلق بالجهود الرسمية والأهلية، التى تبذل لخلق إلزام ذاتي طوعي وتحقيق وعي مروري جيد، وذلك من خلال التعليم والتربية، والتوجيه والإرشاد، ثم هندسي وفني، وفيه يجري استخدام الوسائل والأساليب العلمية والتكنولوجية في إنشاء الطرقات العامة وفي إدارة حركة المرور، وفي كلّ خطط وبرامج السلامة المرورية. المحور الثالث قانوني، يتضمن التشريعات وتطبيقها وفق صيغ وأساليب فعالة.
يتابع أنّ مشاكل المرور في السودان عديدة، أبرزها الحوادث المرورية، والازدحام والاختناق المروريين، والتلوث البيئي. ولضمان نجاح برامج السلامة المرورية، يشدد المقبول على العمل باتجاهات عدة، تبدأ بتأمين انضباط العنصر البشري من السائقين والمشاة والركاب من الناحية المرورية، وبالتوعية والتثقيف والإرشاد والتوجيه، والتطبيق الحازم للعقوبات على المخالفين، وتحسين تصميم الطرقات وتجهيزها بعلامات وشارات المرور، مع مراعاة ضرورة الاهتمام بعنصري الإضاءة والصيانة، والاهتمام بتحقيق وضمان توفر شروط ومواصفات الأمان التصميمية والتشغيلية فى جميع المركبات العاملة وما يقتضيه ذلك من إخضاعها للفحص الدوري والمستمر بوسائل حديثة، بالإضافة إلى السيطرة على تحركات المشاة وحمايتهم بإقامة جسور وأنفاق.
من جهته، يقول الصحافي علي البصير إنّ 85 في المائة من حوادث المرور تقع على المشاة، ما يزيد أعباء التوعية المرورية سواء للمشاة أنفسهم أو للسائقين، إذ يتفنن بعضهم في القيادة بإهمال وبسرعة زائدة عن المسموح به. يتابع البصير في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ الكارثة الكبرى التي تهدد السلامة المرورية خصوصاً، والوضع الأمني عموماً في هذه الأيام، دخول نحو 25 ألف سيارة إلى البلاد، لم ترخص حتى الآن، ولا لوحات مرورية لها، فيما كثير من الجرائم نفذ بواسطة سيارات من دون لوحات.
ينتقد البصير التقصير الذي يعتري عمل كلّ الجهات ذات الصلة في مجال السلامة المرورية سواء في مجلس السلامة المرورية أو وزارة الداخلية أو الإعلام وصولاً إلى الجهات المكلفة بالبنى التحتية والتخطيط العمراني والصحة، كما ينتقد تقصير المجتمع في الجانب نفسه، لافتاً إلى تأسيس منظمة تطوعية في فترة من الفترات باسم "جمعية أصدقاء المرور"، لكنّ نشاطها كان ضعيفاً جداً ولم تساهم في تغيير السلوك المروري لدى كثيرين.
أما المحاضر بجامعة "دنقلا" علي محمد علي، فقد بادر بنفسه للمساهمة في تعزيز السلامة المرورية من خلال بحث علمي أكمله بإنشاء مجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي تعنى بإشاعة الثقافة المرورية. يقول محمد علي لـ"العربي الجديد"، إنّه شعر بحاجة كثيرين لمزيد من المعرفة بقواعد المرور، والتحذير من الحوادث المميتة، وضرورة تغيير كثير من المفاهيم السائدة، لذلك فكر في تأسيس لتلك المنصات. لكنّه يبدي أسفه الشديد لعدم حصوله على تشجيع أو دعم من أيّ جهة ذات صلة، بما في ذلك شركات التأمين.
ويطالب المحاضر الجامعي بضرورة تطبيق القانون بكلّ صرامة على المخالفين، وتعديل القوانين نفسها كي لا تتحمل شركات التأمين وحدها كلفة الأضرار، وذلك بتحميل السائق جزءاً من المسؤولية، مع الاهتمام بجودة الطرقات وصيانتها دورياً.