في اليوم العالمي لسلامة المرضى (يوافق اليوم 17 سبتمبر/ أيلول) يستعيد السودانيون أوجاعهم بسبب المتاعب الكثيرة التي يواجهها المرضى، والتي لا تبدأ بغلاء تكاليف العلاج وأسعار الأدوية، كما لا تنتهي بابتعاد المستشفيات عن المناطق السكنية، والأخطاء الطبية المرتكبة.
دخلت وردة علي بابا مركزاً طبياً في الخرطوم في 5 أغسطس/ آب الماضي لإجراء عملية تلقيح صناعي بسيطة بحسب تقديرات اختصاصيين، لكنها خرجت جثة هامدة، إثر ارتكاب فريق التخدير خطأ طبياً، كما تقول أسرتها.
يوضح قريب المتوفاة، محمد مجدي، لـ"العربي الجديد" أن "الخطأ الطبي حصل في مركز طبي خاص، وتسبب في توقف عمل القلب من دون وجود غرف للعناية المكثفة في المركز أو حتى عربة إسعاف لنقلها إلى مستشفى آخر، فماتت وردة ضحية الإهمال وعدم مراقبة مراكز العلاج. وقد رفعنا دعوى أمام المحكمة وأخرى إدارية أمام المجلس الطبي، رغم أننا ندرك أن هذه القضايا لن تعيدها إلى الحياة، كما قررنا تنفيذ حملة إعلامية على وسائط التواصل الاجتماعي بشعار لا يجب أن تموت وردة سودانية أخرى نتيجة أخطاء وإهمال".
وتعتبر وردة إحدى عشرات ضحايا الإهمال الطبي أو عدم توافر مراكز علاج أو دواء أو أسباب غيرها حاول اختصاصيون التذكير بها في اليوم العالمي لسلامة المرضى الذي رفع هذا العام شعاري "العمل لولادة في كنف الأمان والاحترام" و"الرعاية الآمنة للأم والمولود".
وتؤكد منظمة الصحة العالمية وفاة حوالى 830 امرأة يومياً جراء مضاعفات الحمل والولادة، وحوالى 6700 مولود يومياً يشكلون نسبة 47 في المائة من مجموع وفيات الأطفال دون الخامسة من العمر. وليس السودان بعيداً من هذه الإحصاءات، إذ تكشف أرقام قدمتها السلطات الصحية أخيراً أن 3 آلاف امرأة وآلاف الأطفال يموتون سنوياً بسبب ولادات غير آمنة.
يوضح الأمين العام لجمعية حماية المستهلك الدكتور ياسر ميرغني لـ"العربي الجديد" أن "معايير سلامة المرضى في السودان تتدنى منذ عامين، بسبب قلة عدد الأطباء الاختصاصيين خصوصاً في مجالي الطب النسائي والتوليد، كما تتقهقر الرعاية الصحية، علماً أن الدولة تراجعت عن معالجة الأطفال دون 5 سنوات مجاناً، وإجراء العمليات القيصرية مجاناً أيضاً. وقد أغلقت أقسام ولادة في مستشفيات كثيرة في العاصمة الخرطوم، والأوضاع أكثر سوءاً في باقي الولايات".
يضيف: "سلامة المرضى في السودان خطر حقيقي، فهم لا يجدون العلاج ويفتقرون إلى التشخيص الدقيق والأدوية، في حين وزارة الصحة مقيدة بسبب نزاعات مع السلطات الصحية لولاية الخرطوم التي طالبت بأن تصبح كل الملفات الصحية مهمات اتحادية ولا تخضع لإشراف الولايات".
ويطالب ميرغني "بإشراك الاختصاصيين في وضع الإستراتيجيات الصحية، ومراقبة شركات الأدوية التي تتلاعب بأسعار الأدوية، ومراقبة عمليات الاستيراد التي تنفذها، وتوسيع الخدمات الصحية في الولايات، بالتزامن مع تطوير التشريعات عبر سن قوانين تحمي المرضى وتمنحهم حق رفع قضايا والحصول على تعويضات، مع التشديد على الحدّ من التستر على الأخطاء، وكل أشكال الإهمال".
من جهته، يرى الطبيب وليد محمد سليمان أن السودان بعيد جداً عن توفير متطلبات سلامة المرضى التي تحتاج إلى كوادر طبية تتمتع بكفاءات عالية وتجهيزات فاعلة التشخيص، وتستخدم بنية تحتية سليمة وتعمل ضمن بيئة متكاملة خصوصاً في أقسام الطوارئ والولادة والأطفال.
ويضيف متحدثاً لـ"العربي الجديد": "ترتبط سلامة المرضى بسلامة الكوادر الطبية من أطباء وممرضين واختصاصيين في العلاج الطبيعي والنفسي. وكل ذلك يحتاج إلى وضع خطط وإستراتيجيات بعيدة المدى، مع مشاركة كل المؤسسات في تنفيذها، لأن سلامة المرضى مسؤولية الجميع".
ويؤيد الطبيب هيثم عبد القادر هذا الرأي، لكنه يستدرك في حديثه لـ"العربي الجديد" بأن "سلامة الأطباء معرضة للخطر نتيجة تقاعس وزارة الصحة عن الاهتمام بصحتهم من خلال عدم تطعيمهم من أمراض مثل التهاب الكبد الوبائي، وعدم صرف بدل عدوى لهم". ويشير إلى أن "عاملين في قطاعات عدة مثل المعلمين والجيش والشرطة والأمن وغيرهم لديهم مستشفيات خاصة للعلاج فيها، في حين أن لا مستشفيات خاصة بالأطباء الذين يعملون في بيئة صحية متردية ينتشر فيها الذباب والبعوض وكل الحشرات التي تنقل الأمراض".
وينبه عبد القادر إلى أن "أطباء في مدن كبيرة بعيدة عن الخرطوم لا يتوفر لهم سكن خاص وتقديمات أخرى، ما يدفعهم إلى رفض العمل في الولايات التي تتأثر سلامة المرضى فيها"، كما يكشف أن مستشفيات في مدن كبيرة تفتقر إلى اختصاصيين في التخدير، ما يؤدي على سبيل المثال الى تزايد عدد المرضى في مستشفيات ولاية الخرطوم، وأن أسباباً عدة دفعت الأطباء إلى الهجرة خارج السودان، ما ضاعف من متاعب المرضى.