السودان: أصحاب الأمراض المزمنة يواجهون "شلل الحرب"

25 يونيو 2024
قلصت الحرب في السودان فرص العلاج (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الحرب في السودان تسببت في أزمة صحية خطيرة، مضاعفة معاناة المصابين بأمراض مزمنة مثل الفشل الكلوي والسرطان بسبب نقص العلاجات وارتفاع أسعار الأدوية.
- مبادرات فردية وجماعية تظهر لتقديم الحلول، مثل جمعية مرضى الكلى ببورتسودان و"منظمة كلنا قيم" لدعم الأطفال المصابين بالسرطان، توفير الأدوية والدعم النفسي.
- الجمعيات الخيرية في القرى والتجمعات الريفية تساهم بفعالية في مواجهة الأزمة، من خلال تجهيز غرف طوارئ وعيادات تقدم خدمات طبية مجانية، معكسة روح التعاون والتكافل.

أوجدت الحرب في السودان أزمات كبيرة تفاقمت درجات مآسيها بالنسبة إلى من يعانون من أمراض مزمنة تحتاج إلى علاجات دائمة ومكلفة. ووسط الشلل الذي أصاب الدولة تجلب مبادرات فردية بعض الحلول. 

لم يمر يوم خلال الحرب المندلعة منذ نحو 14 شهراً في السودان من دون أن تتضاعف آلام أصحاب الأمراض المزمنة. عانى موسي محمد آدم، المصاب بمرض الفشل الكلوي منذ عام 2016 والذي كان يخضع لعلاج دوري مجاناً، مثل غيره من مرضى الفشل الكلوي، من عدم توفر فرص العلاج، سواء عبر الانتظام في جلسات غسيل الكلى، أو في الحصول على أدوية. 
وشملت هذه المعاناة آلاف المصابين بفشل كلوي في السودان، ومن بينهم 250 يعيشون، كما حال آدم، في مدينة بورتسودان التي تقع على ساحل البحر الأحمر، وتحوّلت إلى العاصمة الإدارية للسودان بعد اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 إبريل/ نيسان 2023.  
وقبل الحرب كان مرضى الفشل الكلوي يتلقون العلاج في 105 مراكز لغسيل الكلى توزعت على مختلف ولايات السودان، لكن معظمها خرجت عن الخدمة حالياً، خاصة في الخرطوم وولاية الجزيرة. 
يقول آدم الذي يشغل منصب المنسق الإعلامي لجمعية مرضى الكلى بمدينة بورتسودان لـ"العربي الجديد": "عانيت مع نحو 400 مريض نزحوا إلى مدينة بورتسودان بعد بداية الحرب، من انعدام العلاج، أو عدم الحصول عليه بسهولة أو على أدوية الكالسيوم وحبوب ون الفا، وحبوب الضغط والقلب وحقن الحديد، في حال وجدت حتى بأسعار عالية. ومعظم المرضى خرجوا أصلاً من دائرة الإنتاج والعمل أو توفر الإمكانات المادية، وحين يذهبون إلى هيئة الإمداد الدوائي في الولاية يحالون إلى الهيئة الاتحادية التي تحيلهم بدورها إلى الولاية، أما المركز القومي لأمراض وجراحة الكلى فغير مهتم بتنفيذ واجبه تجاهنا". 
يضيف: "تعمل جمعية مرضى الكلى بمدينة بورتسودان وتجتهد لتوفير أدوية لأعضائها رغم الظروف السيئة السائدة، وتضطر أحياناً إلى جلب أدوية من مصر المجاورة، علماً أن خدمات التأمين الصحي متوقفة".

ويشير إلى أن "عدم توفر الدواء سيساهم في مضاعفات لمرضى الكلى، وقد يتسبب في وفيات. ومن الضروري توفير العلاج بصيدلية مركز بورتسودان لأمراض وجراحة الكلى، وتأمين غسيل آمن ومستقر.
وخلال الحرب، زادت أسعار معظم أدوية الأمراض المزمنة مثل تلك لضغط الدم التي وصل سعرها إلى ما بين 3600 (2.25 دولار) و4500 جنيه (2.8 دولار)، وأدوية الكولسترول (4500 جنيه)، والأنسولين 700 جنيه (4.3 دولارات)، ومنظم السكري 2400 جنيه (1.5 دولار)، ومنظم ضربات القلب 3600 جنيه.
ويخشى صيدلاني تحدث لـ "العربي الجديد" من دون أن يذكر اسمه، أن تضاعف تدخلات مجلس الأدوية هذه الأسعار، خصوصاً مع تعطل كل المصانع باستثناء واحد نقل إنتاجه إلى الهند.
ولا تختلف معاناة مرضى السرطان الذين يصل عددهم إلى 12 ألفاً، منهم 4 آلاف طفل، فهم في حاجة مستمرة إلى علاج إشعاعي بسعر يناهز 800 دولار شهرياً.
تقول الدكتورة فاطمة الأمين الطيب، لـ"العربي الجديد": "مرضى السرطان هم من بين أكثر المتأثرين بالحرب لأن العلاجين الكيميائي والإشعاعي الخاصين بحالاتهم خرجا عن الخدمة بسبب الحرب في مركزين بالعاصمة الخرطوم ومدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة. ويوجد جهاز للعلاج بالإشعاع في مدينة مروي (شمال)، لكن فاتورته مرتفعة جداً وتتجاوز ألف دولار للجلسات الإشعاعية لمريض واحد".

حلّت عيادات بدلاً من مشافٍ بعد الحرب (فرانس برس)
حلّت عيادات محلّ مشافٍ بعد الحرب (فرانس برس)

تضيف: "لم يعد العلاج الكيميائي يتوفر بنفس الكمية بعد اندلاع الحرب، وهناك نقص حاد في عدد من أنواعه، علماً أن هذا الأمر مهم في خطط العلاج. كما باتت أدوية عدة غير متوفرة، وتأثرت سلباً بالتأكيد آلية تشخيص المرض إذ كانت تؤخذ العينات في الخرطوم، فانعدمت بالتالي الدقة في العلاج الهرموني بالنسبة إلى مرضى سرطان الثدي مثلاً الذين يمثلون نسبة كبيرة من مرضى السرطان. أيضاً يؤثر عدم وجود أجهزة الصورة المقطعية وتلك للرنين المغناطيسي في تقييم استجابة المريض للعلاج الكيميائي وإمكانية استئصال الورم من خلال إجراء جراحة، وجهاز الرنين المغناطيسي غير متاح حالياً إلا في مدينة مروي.  
وتتحدث فاطمة عن "وجود مراكز أخرى صغيرة للعلاج في مدن كسلا والقضارف وشندي وكوستي، لكنها لا تعمل بحجم مشفى الذرة بالخرطوم والمعهد القومي للسرطان بود مدني. وتتحمل هذه المراكز كل أعباء مرضى السرطان في السودان، وتجب مساعدتها في استيعاب أكبر عدد من المرضى عبر تجهيز وتهيئة أماكن العلاج، وتوفير العلاجات الكيميائية المطلوبة، والمطلوب في شكل ملّح هو توفير العلاج الكيميائي وجهاز العلاج بالأشعة والفحوصات اللازمة للتشخيص التي كانت مؤمنة لمعظم المرضى مجاناً في مشفى الذرة الخرطوم والمعهد القومي للسرطان بود مدني".
وقد تدخلت جمعيات خيرية ومنظمات للمجتمع المدني لمساعدة المرضى، مثل "منظمة كلنا قيم" التي لعبت قبل الحرب دوراً رائداً في رعاية الأطفال المصابين بالسرطان عبر إنشاء عدد من الاستراحات الخاصة في عدد من المدن، ونقلهم من ولايات بعيدة لا توجد فيها مراكز علاج، مثل دارفور (غرب) وولايات في الشرق. لكن هذه الاستراحات أغلقت أبوابها في عدد من المناطق نتيجة الحرب. 
ويتحدث محمد الأمين فضول، رئيس المكتب التنفيذي للمنظمة، لـ"العربي الجديد" عن أن "المنظمة انتقلت، بعد اندلاع القتال في الخرطوم، إلى مدينة ود مدني التي توسعت فيها الحرب نهاية العام الماضي، ما أفقد الأطفال المركز الثاني للعلاج على مستوى البلاد. وحدث فراغ كبير في المراكز التي تقدم خدمات، حتى اختير أخيراً مستشفى الضمان بمدينة مروي لتقديم خدمات علاج الأطفال".
يضيف: "يواجه الأطفال صعوبات في تلقي العلاج والتحرك للوصول إليه، لا سيما أولئك القادمون من الولايات البعيدة. كما يواجهون مشكلة السكن، لذا قررت المنظمة إنشاء استراحة في المدينة بدأت بناءها بدعم وتنسيق مع منظمات أخرى تنشط في المدينة. وستجتهد المنظمة لمحاولة تجاوز كل العقبات، وستحاول توفير جرعات كيميائية، والإبقاء على الأمل لدى الأطفال وأسرهم".

يتابع: "كان يحارب الطفل المصاب بالسرطان مرضه في السودان في السنوات السابقة، أما الآن فيواجه الحرب الحالية أيضاً. ونحث المنظمات والجمعيات على المساهمة في مشاريع رعاية أطفال السرطان، وتقديم دعم نفسي لهم ولأسرهم".
وفيما ليست المبادرات الخاصة بدعم المرضى حكراً على المدن الكبيرة، تسابقت قرى وتجمعات ريفية إلى تقديمها، مثل قرية الكسمبر بمحلية الكاملين (وسط)، حيث نجحت جمعية خيرية شكلها شباب في القرية منذ سنوات، في تجهيز غرفة طوارئ طبية مستفيدة من كوادر طبية باختصاصات مختلفة من أبناء القرية، ودعم مالي من مغتربين وغيرهم. وجرى تأسيس عيادة مجهّزة بمعظم المعدات الطبية، وفتحت أبوابها لكل مرضى القرى المحيطة، ما جعلها بديلة لإغلاق مشافٍ بعد الحرب.
وتقدم العيادة خدمات مجانية تشمل المقابلات والفحص والدواء، وهي أعطت أولوية للاهتمام بأصحاب الأمراض المزمنة داخل غرف أو زيارتهم في المنازل، كما نفذت العيادة عمليات جراحية صغيرة وصرفت أدوية مجاناً لمرضى.
ويقول مبارك محمد الحسن، السكرتير الإعلامي للجمعية، لـ"العربي الجديد": "لم يستفد من الفكرة فقط مواطنو القرية والقرى المجاورة، بل أيضاً مئات من النازحين الذين فروا من جحيم الحرب في الخرطوم ومناطق أخرى، وهم يجدون كل رعاية واهتمام في العيادة". 
يضيف: "تضم العيادة جميع التخصصات وحتى الصحة النفسية، وكل ذلك تطوعاً من أطباء عموميين واختصاصيين وممرضين وفنيي مختبرات".