الزيجات المختلطة في العراق... مقاومة مجتمعية ناجحة للحروب والخطاب الطائفي

19 ديسمبر 2024
تتعايش 7 طوائف وأديان و3 قوميات منذ قرون في العراق، (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يشهد المجتمع العراقي تعافياً في العلاقات بين المكونات العرقية والدينية، مع عودة الزيجات المختلطة بعد سنوات من التوترات الطائفية، مما يعكس استقراراً اجتماعياً متزايداً.
- يختار العديد من الأفراد شركاء حياتهم من طوائف مختلفة، متجاهلين الفروقات الدينية والعرقية، مما يعكس تحولاً في التفكير الاجتماعي نحو قبول التنوع والاختلاف.
- تسلط منظمات المجتمع المدني الضوء على أهمية تجاوز الخطابات المتشددة، مما ساهم في تغيير مسار المجتمع نحو قبول أكبر للتنوع وتقليل تأثير الصراعات السياسية.

يشهد المجتمع العراقي منذ سنوات تعافياً واضحاً على كل الصعد، خصوصاً في ما يتعلق بالعلاقات بين المكونات العرقية والدينية المختلفة، والتي كانت تضررت كثيراً بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 الذي رسّخ الحصص الطائفية في العملية السياسية
ويرى خبراء اجتماعيون أنه بعد سنوات من الإرهاب والعمليات الانتقامية التي قادتها جماعات ومليشيات من مكونات مختلفة، وجد العراق أخيراً متنفساً للاستقرار الذي ساهم في عودة ما كان يعتبر سابقاً أمراً طبيعياً وغير لافت لأحد، وهو الزيجات المختلطة بين الطوائف والأديان والقوميات المختلطة.

يقول محمد الهنداوي الذي يعمل محامياً في محكمة مدنية بالعاصمة بغداد لـ"العربي الجديد": "عاشت نحو سبع طوائف وأديان وثلاث قوميات منذ قرون طويلة في العراق من دون أن تشهد أزمات مثل تلك التي عرفها البلد بعد الغزو الأميركي عام 2003. وفي السابق لم يكن أمراً لافتاً أن يتزوج مسلم من مسيحية، أو عربي من كردية، أو سني من شيعية، وبالعكس، وكان الأمر لا يستحق حتى التوقف عنده لأنه مألوف. وبعد عام 2003 تراجعت ثم تلاشت العلاقات بين الجار وجاره والصديق وصديقه في ما يتعلق بأي علاقة زواج أو نسب".
ويعتبر أن "عودة هذه الزيجات تعني أن المجتمع متعافٍ، وهذا ما يظهر أيضاً في مجتمع الجامعات والدوائر، خصوصاً في المدن المختلطة سكانياً وتضم طوائف وقوميات مختلفة".
ويقول أحمد الساعدي الذي أصرّ على اختيار شريكة حياته من الطائفة السنية لـ"العربي الجديد": "فعلت ذلك استناداً إلى رغبة شخصية وقناعة داخلية من دون أن أنظر إلى الدين الذي لا أعتبره مهماً لي، وهو ما تؤيده زوجتي أيضاً. وأسرتي وأسرتها في توافق تام، وأعيش مع زوجتي منذ عام في أفضل حال. في النهاية الحب والتوافق يجعلان كل الخلافات بسيطة ويمكن تجاوزها".

الاعتراف بالمذهب والطوائف حالة عراقية موجودة، 1 يناير 2023 (صباح عرار/ فرانس برس)
الاعتراف بالمذهب والطوائف حالة عراقية موجودة، 1 يناير 2023 (صباح عرار/ فرانس برس)

ويقول أيمن محمد الذي يسكن في بغداد وتزوج من فتاة كردية من أصول تعود إلى محافظة كركوك (شمال) لـ"العربي الجديد": "لا أجد الأمر غريباً فما فعله آباؤنا وأعمامنا قبل 20 سنة هو الزواج من النساء اللواتي اقتنعوا بهن بغض النظر عن الطائفة أو العرق. وزوجتي تعيش براحة كبيرة في نفس المنزل مع أمي وأخواتي".
أيضاً يقول الناشط والحقوقي العراقي وسام عبد العزيز لـ"العربي الجديد": "شهدت المحاكم العراقية في الآونة الأخيرة نسب زواج مرتفعة ولافتة بين الطوائف المختلطة. يجب ألا يستمع الشباب إلى أي خطاب متشدد، واختيار زوجاتهم بناءً على قناعاتهم مع استبعاد عوائق اختلاف الدين أو العرق".
وتتحدث هدى عامر، وهي موظفة في محكمة الكرخ ببغداد، لـ"العربي الجديد" عن أن "سجلات المحكمة شهدت الكثير من الزيجات المختلفة في السنوات الثلاث الأخيرة، لكن بعض العائلات لا تزال تخشى كشف هذه الزيجات. ويطالب أزواج كثيرون بعدم ملء حقل المذهب وإلغائه حتى من عقد الزواج لتجنب المضايقات والآراء المزعجة".
وتعلّق الباحثة في الشأن السياسي الدكتورة سناء جواد بالقول لـ"العربي الجديد": "الطبقة الحاكمة والصراعات السياسية هي المرآة الأولى التي تعكس البنية المجتمعية، وبعدها الأوضاع الاقتصادية التي تنعكس على أفراد الشعب إذا كانت هشّة وغير مستقرة".
تتابع: "ظهرت الفتنة الطائفية في جيل تمتع بأرضية خصبة قابلة للاستماع والاستفزاز، ما أدخل البلاد في القتال والنزاعات، لكن منظمات المجتمع المدني ساهمت في نشر الوعي والثقافة وغسلت أدمغة الشباب من كل ما بثتهُ الخلافات السياسية من فتنة طائفية، ما سهّل تغيّر مسار المجتمع الذي يصعب الآن أن يعود إلى ما كان عليه. وعموماً جعل عدم التخوف من الطائفية كما كان في السابق المجتمع أكثر وعياً، خصوصاً الشبان والشابات في الجامعات أو المدارس أو النوادي وغيرها. ويعني ذلك أن هناك نضجاً في التفكير والاعتراف بأن من رسّخ هذه المعتقدات هم السياسيون والأحزاب".

وتشير إلى أن الزيجات بين الطوائف المختلفة أولى علامات تنامي الوعي لدى غالبية العائلات، وزيادة التقارب الفكري بين الأجيال والتعايش، ويبدو واضحاً قبول الجيل الجديد أكثر من سابقه المعتقدات والطوائف".
 من جهتها ترى رئيسة منظمة "آيسن"، أنسام سلمان، أن الزواج بين الطوائف المختلفة والديانات المتعددة "أهم ما يميّز الشعب العراقي لكن كثرة الحروب وزرع الأفكار الطائفية الناتجة تسببا في تشويه عقول جيل كامل، وخلقا صراعات نفسية بين أبناء الجيل أفضت إلى تشتت بعض الأسر، وانفصال شركاء في بداية مشوار الزواج، كما تأثر ذلك بالنزعات العشائرية التي كثرت".
وتقول أنسام لـ"العربي الجديد": "لا يعتمد الزواج على الطائفة فقط بل على العاطفة والرضا والقبول، والشعب العراقي تغيّر في الآونة الأخيرة وبدأ يبتعد كلياً عن هذا الموضوع، ما يعني أن التنوع العرقي والاختلاف الطائفي لن يكونا عائقين".

المساهمون