ترتكز فكرة حفل الزفاف "الأخضر" الخالي من الكربون على استبدال بطاقات الدعوات الورقية بأخرى إلكترونية، واستخدام دراجات هوائية لزف العروسين بدلاً من سيارات فارهة. وأيضاً استبدال الديكورات الكرتونية الخاصة بقاعة الزفاف بتصاميم ضوئية وألعاب ليزر.
ويقول القائمون على حملات الزفاف الخالي من الكربون إنها تهدف إلى تقليل الانبعاثات من خلال اعتماد منتجات صديقة للبيئة، وتنفيذ استراتيجيات توفر التكاليف، في حين يرى آخرون أن هذه الحملات التي تموّلها الدولة تهدف بالدرجة الأولى إلى حث الشباب على الزواج، في ظل ارتفاع نسبة العنوسة وتراجع معدلات المواليد الجدد.
ووفقاً لإحصاءات رسمية، بلغ متوسط تكلفة حفل الزفاف في الصين 250 ألف يوان (35.000 دولار) عام 2021، ما مثل زيادة أربعة أضعاف على مدى خمس سنوات. ولطالما كانت النفايات المرتبطة بولائم الزفاف مشكلة في ظل ازدهار ثقافة الإسراف لإيجاد مقارنات بين الأسر من خلال الاستهلاك غير العقلاني.
يقول وانغ مين، الشاب الذي يخطط للزواج خلال عطلة عيد الربيع المقررة في فبراير/ شباط المقبل، لـ"العربي الجديد": "حين قرأت عن حفلات الزفاف الخضراء أعجبتني الفكرة، لأنها تساهم في تخفيض التكاليف الباهظة. وعندما طرحت الأمر على خطيبتي وافقتني الرأي، وقررنا تقديم موعد الزفاف الذي كان مقرراً الصيف المقبل حتى تأمين تكاليف الزفاف".
يُضيف: "أتخيل أن المشهد سيبدو جذاباً حين نسير بين المدعوين على درجات هوائية وسط تصفيق وصيحات الأصدقاء، وسنستبدل صالة الزفاف بمكان ريفي مفتوح يسمح للجميع بأن يشاركونا فرحتنا والاحتفاء بنا في أجواء رائعة ومثيرة. أيضاً سنساهم في دعم الحياة الصديقة للبيئة، ونخفّض التكاليف، وكلّ هذه العوامل تحفّز انجذابنا لفكرة الزفاف الأخضر والإسراع في تنفيذها".
في المقابل، ترفض لي ليانغ، وهي شابة عزباء، فكرة إقحام الزواج بمسألة تقليل انبعاثات الكربون، وتقول لـ"العربي الجديد": "أرفض معالجة مسألة تقليل الكربون على حساب فرحتي، فالزواج يحدث مرة واحدة في العمر، ويجب أن يحصل وفق الأصول والعادات والتقاليد. وتوفير ميزانية عالية تناسب الحدث من المسلمات في المجتمع الصيني ومحيط العروسين، إذ يتحدث الناس سنوات عن تفاصيل حفل الزفاف والميزانية التي رصدت له، وهو أمر يسعد العروسين".
وتسأل: "ما علاقة الشباب المقبلين على الزواج بمشكلات البيئة والمناخ؟ هذا أمر يتعلق بالسلطات المعنية بالبحث عن بدائل لا تمسّ خصوصيات الشباب. وأنا شخصياً سأرفض الاقتران بشخص يحاول إقناعي بتخفيض تكاليف الزفاف بحجة إنقاذ البيئة، خصوصاً أن المجتمع لا يرحم، وسيعتبر دائماً أننا تذرعنا بهذا الأمر فقط بسبب عجزنا عن تأمين تكاليف الزفاف، وليس انتصاراً لتقليل الكربون".
ويعلّق الباحث الاجتماعي تيان جيه على الموضوع بالقول لـ"العربي الجديد": "اكتسبت حفلات الزفاف الخالية من الكربون جاذبية كبيرة، وباتت موضوعاً رئيساً على منصات التواصل الاجتماعي في البلاد، ما يعكس وعي الشباب بتأثيرات تغيّر المناخ، والجهود التي تبذلها الحكومة لتقليل الكربون. وهذه الحفلات تعكس أيضاً رغبة الشباب في تخفيض التكاليف الباهظة للزفاف التي تتسبب في عزوف كثيرين عن الزواج، وبالتالي هناك منفعة مشتركة تخدم مصلحة الجميع".
ويلفت إلى أن هدف "الكربون المزدوج" الذي تبنته الصين في السنوات الأخيرة، والذي يسعى إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060، تسبب في ابتكار وسائل متعددة مثل رواج السيارات الكهربائية، وتراجع عادات حرق النقود الورقية المزيفة في المعابد الصينية، وانحسار ظواهر أخرى ألحقت أذى بالبيئة على مدار عقود، لكن فكرة الزواج الأخضر تبقى الأكثر رواجاً لأنها تمس عصباً حساساً لدى الشباب".
وكانت وزارة الشؤون المدنية قد نفذت عام 2021 إصلاحات شملت الترويج لعادات زفاف أبسط وأكثر اعتدالاً. ونجحت هذه التدابير في الحدّ من الإسراف الذي كان منتشراً في حفلات الزفاف، حيث أكدت سلطات بعض المناطق انخفاض تكاليف الزفاف بنسبة أكثر من 90 في المائة.
وقال مراقبون إن تحقيق الحياد التام للكربون في مثل هذه المناسبات يمثل تحدياً كبيراً للسلطات والمجتمع معاً، ودعوا الشباب المقبلين على الزواج إلى تبني أساليب صديقة للبيئة في حياتهم، واعتبروا أيضاً أن حفل الزفاف منخفض الكربون يرمز أيضاً إلى الالتزام والامتثال، ما يجعل الحب نقياً وخالداً".
يُشار إلى أن نسبة العنوسة في الصين بلغت 77 في المائة العام الماضي، في حين شهد الإقبال على الزواج أدنى مستوى منذ تأسيس الصين الحديثة بسبب ارتفاع قيمة المهر وتكاليف الزفاف، وأيضاً بسبب فتور العلاقات العاطفية بتأثير ظروف العمل الطويل والشاق بالنسبة إلى الذكور والإناث معاً.