الريف الصيني يخلو من ناسه

02 يونيو 2023
لم تترك الريف (Getty)
+ الخط -

شهد الريف الصيني خلال العقود الثلاثة الماضية هجرة جماعية نحو المدن والمناطق الحضرية، وشمل ذلك هجرة الطلاب وأولياء أمورهم إلى البلدات المجاورة بحثاً عن فرص تعليم وعمل أفضل. وجذبت الحكومات المحلية سكان الريف إلى المدن إذ يمكنهم المساهمة في التوسع الحضري والنمو الاقتصادي هناك. وتسببت موجات الهجرة في إغلاق العديد من المدارس في الريف بسبب قلة أعداد الطلاب، ما أدى إلى توسيع الفجوة وتفاقم التفاوت الهيكلي بين الريف والمدن. وبحسب سجلات رسمية، تقلص عدد المدارس الابتدائية في المناطق الريفية من حوالي نصف مليون مدرسة عام 2005 إلى 150 ألف مدرسة عام 2020، وانتقدت الحكومة المركزية مراراً الإغلاق غير المعقول للعديد من المدارس في الريف، وأعلنت عزمها تنفيذ خطط استراتيجية لمواجهة هذه الأزمة.
غادر تشو ون الريف مع أسرته المكونة من ستة أفراد (زوج، زوجة، ابن، ابنة، جد، جدة) نحو مدينة تيانجين شمال البلاد، حيث يعمل وزوجته، بينما يعتني الجد والجدة بحفيديهما اللذين يتعلمان في مدارس المدينة. ويقول لـ "العربي الجديد": "قبل خمس سنوات، حصلت على فرصة عمل في تيانجين، فسافرت لوحدي. وبعد عام، لحقت بي زوجتي وعملت معي في الشركة نفسها. وفي وقت لاحق، قررنا سحب جميع أفراد الأسرة للإقامة معنا، فسجلنا الولدين في مدرسة بالمدينة حيث مستوى وجودة التعليم أفضل من الريف، كما أنهما يحصلان على رعاية جيدة مع وجودنا بقربهما إلى جانب جديهما". يتابع: "منذ الأيام الأولى في المدينة، لمسنا الفرق لناحية الخدمات والمرافق العامة والحيوية والنشاط مقارنة بالريف. كما أننا حصلنا على تأمين من الشركة يتيح لنا التمتع بمزايا الضمان الاجتماعي، فلم أعد أشعر بالقلق بشأن صحة أفراد العائلة". ورداً على سؤال عما يفتقده في الريف، يقول: "لا شك أنني أفتقد بيت العائلة الكبير والأرض والترابط الاجتماعي غير الموجود في المدينة بسبب نمط الحياة السريع وانشغال الجميع بالعمل". يضيف: "لكل شيء ضريبة، وأشعر أن أهم ما حصلنا عليه هنا هو جودة التعليم بالنسبة للأبناء، وتوفير مستوى معيشي أفضل لهم".

من جهتها، تقول سون سون، وهي زوجة وأم تقيم في مدينة داليان شرق البلاد: "جئنا إلى المدينة قبل ست سنوات، كان قراراً مشتركاً مع زوجي بعدما كبر الأولاد ولم يكن بالإمكان البقاء في الريف حيث الأجور متدنية وفرص التطور محدودة". تضيف في حديثها لـ "العربي الجديد": "لطالما ظل الريف على الهامش في مسيرة التنمية، وكانت المناطق الحضرية منذ البداية محور اهتمام الحكومة في خطط البناء والنمو، بينما عانى الريفيون بسبب قلة الفرص وانعكس ذلك على الأجيال الجديدة. لذلك، لم نرغب في أن يدفع أبناؤنا ثمن هذه الفجوة الكبيرة بين الريف والمدينة، وقررنا اللحاق بركب التحضر".
وتعليقاً على هذه الظاهرة، يقول أستاذ الدراسات الاجتماعية في جامعة سيتشوان لو تشانغ، في حديثه لـ "العربي الجديد": "منذ ثمانينيات القرن الماضي وتحديداً في أعقاب تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح التي انتهجتها البلاد، غادر ملايين السكان من الريف إلى المدن بحثاً عن فرص عمل، تاركين وراءهم قرى فارغة من الكفاءات وحتى المؤسسات الصحية والتعليمية. غادر الشباب للبحث عن عمل، وفي وقت لاحق لحق بهم إلى المدن من هم في الخمسينيات والستينيات من العمر لرعاية أحفادهم في المدارس".

عائلة اختارت العيش في العاصمة بكين (وانغ زهاو/ فرانس برس)
عائلة اختارت العيش في العاصمة بكين (وانغ زهاو/ فرانس برس)

يضيف: "مع تدفق المهاجرين، لم تعد الوظائف السبب الوحيد لتخلي السكان عن الريف، وتبحث العائلات عن خيارات أفضل في أماكن أخرى. ومن يحصلون على فرص عمل بدخل مرتفع يرسلون أطفالهم إلى المدارس الخاصة، ويستقدمون أجدادهم للاعتناء بهم. بذلك، تخلو القرى من ثلاثة أجيال بصورة تدريجية. ومع ارتفاع معدلات العمالة واستنزاف العقول والكفاءات، فإن المجتمعات الريفية تواجه خطر التدهور".
ويلفت تشانغ إلى خطورة تفريغ الريف من المدارس والمؤسسات التعليمية كنتيجة طبيعية لهجرة الطلاب مع عائلاتهم، قائلاً إن بعض المدارس أغلقت أبوابها بسبب قلة عدد الطلاب، وشهدت بعض الفصول تواجد طالب واحد أو طالبين فقط من أصل خمسين طالباً. وفي مدارس أخرى، كان هناك نقص في عدد الكوادر التعليمية. فإذا توفر الطلاب لا يتوفر المعلمون، وإذا توفر المعلمون لا يتوفر الطلاب. وعن سبل مواجهة الأزمة، يقول إن المسؤولية تقع في المقام الأول على عاتق الحكومة التي أهملت الريف على حساب المناطق الحضرية، مضيفاً أن أي تطور يجب أن يقوم على أساس المساواة والموازنة بين الريف والمدينة. عدا ذلك، فإن الفجوة ستزداد وستنعكس أثارها على المجتمع بعد تحول الريف إلى مدن أشباح لا أكثر".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويرى خبراء صينيون أن الهجرة واسعة النطاق للعمال الريفيين أدت إلى انخفاض الإنتاج الزراعي، فضلاً عن هجرة الأراضي الزراعية. وعلى الرغم من أن موجات الهجرة السابقة قلصت أيضاً قوة العمل الريفية، فإن موجة الهجرة التعليمية الحالية تخرج كبار السن والأمهات من المناطق الريفية إلى المدن، ما أدى إلى تفاقم النقص في العمالة الزراعية. ووفقاً لبيانات رسمية صادرة عن وزارة الزراعة الصينية، فإن أكثر من 25 في المائة من الأراضي الزراعية المملوكة لأسر ريفية غير صالحة للاستعمال بسبب الإهمال. ويرى هؤلاء أن تدفق الناس من المناطق الريفية ناتج من قلق المزارعين الشديد من هجرة الريف وإهمال الزراعة، وأن هدفهم الأساسي هو انتشال أطفالهم من طبقة الفلاحين إلى الطبقة الوسطى الحضرية.

المساهمون