الرقة السورية تعيد إحياء حدائقها

16 يونيو 2023
عاد الأطفال للعب في الحدائق (العربي الجديد)
+ الخط -

يجد أهالي مدينة الرقة، شمال سورية، متنفساً لهم في حدائقها، فلا مكان آخر لقضاء الوقت برفقة العائلة واصطحاب الأطفال، ولا سيما أنهم حرموا من هذه الحدائق العامّة لسنوات بعد تدميرها خلال المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، التي قادها التحالف الدولي إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي أدت إلى طرد التنظيم من المدينة في أكتوبر/ تشرين الأول 2017. 
وتُقارن الناشطة فطومة مرعي شحادة بين واقع حدائق المدينة قبل سيطرة داعش وما بعدها، وتقول لـ"العربي الجديد": "سابقاً كانت الأمور جيّدة، وكان أطفالنا يخرجون للعب في الحدائق وقضاء وقت ممتنع فيما تتنزه العائلات. لكن بسبب الحرب ومخلفاتها والألغام التي زرعت هنا وهناك، أصبحت الحدائق مدمرة وتشكل خطراً على حياة الأهالي، ولم يبق فيها أشجار بعدما اقتلعت وكسرت. الآن، بدأنا بزراعة الأشجار مجدداً بمساعدة المنظمات المحلية والأهالي. كما أن مجلس الرقة المدني يلعب دوراً في هذا التجديد".  
وتتحدث عن الحدائق وأشهرها ضمن المدينة، وتقول: "إحدى أكثر الحدائق التي كانت معروفة بالرقة هي حديقة الرشيد. كل الحدائق سابقاً كانت جيدة نوعاً ما. إلا أن الحرب دمرت الحدائق والبنى التحتية، وبدأنا العمل على إعادة إعمار البنى التحتية بهدف إعادة بناء المنطقة لأجل أطفالنا. وبدعم من وكالة التعاون التقني والتنمية (Acted)، نعمل على تأهيل حدائق الرشيد والبجعة و7 نيسان، بالإضافة إلى الشوارع. نزرع الأشجار بدعم من المجلس المدني، إلا أن الإمكانيات محدودة، ونأمل بأن نتمكن من إعادة إعمار هذا الوطن. قُسّم فريق وكالة التعاون التقني والتنمية إلى ثلاث مجموعات تضم حوالي 100 شخص لاقتلاع الأشجار اليابسة وإزالة تلك المحروقة وقص الأعشاب وزراعة أشجار جديدة. يبدأ العمل الساعة 8 صباحاً ونستمر حتى الساعة الثانية بعد الظهر".
ينظر السكان في المدينة لخطوة تأهيل الحدائق باعتبارها إيجابية ومطلوبة في الوقت الحالي، كون الرقة مدينة تعرضت لدمار واسع في البنى التحتية والأبنية، وبعد طرد تنظيم داعش منها، عانى السكان فيها من مخلفات الحرب وصعوبة التنقل والتوجه إلى الحدائق، بسبب مشاكل كثيرة منها الألغام والجثث. 

وتقول نسرين الأحمد، وهي من سكان مدينة الرقة، لـ"العربي الجديد": "إعادة تأهيل الحدائق في محافظة الرقة أمر جيد لأطفالنا والعائلات، بعدما دمرت بسبب الحرب". تضيف: "حين عدنا إلى الرقة بعد التحرير، كانت الحدائق مدمرة بشكل كامل، ولم يكن هناك أي متنفس للأطفال، وخصوصاً أنهم عايشوا فترة الحرب وعانوا من اضطرابات نفسية. هؤلاء الأطفال كانوا بحاجة إلى متنفس. وفي الوقت الحالي، يتم ترميم وتجديد بعض الحدائق على الرغم من أنها لا تزال بحاجة إلى تجهيزات أخرى وألعاب. لكن الوضع بات مقبولاً ونتمنى الأفضل مع مرور الأيام. عندما دخلنا إلى مدينة الرقة عام 2018، كانت مدمرة بالكامل. لكن بفضل سواعد الناشطين في المحافظة، العمل جار على إعادة تأهيل المنطقة وأحيائها من جديد، وعلى رأسها الحدائق التي كانت مدمرة. زرعت أشجار ووضعت بعض الألعاب، منها حديقة البجعة التي نقصدها كل مساء ونشعر بالسعادة عندما نجد لأطفالنا متنفساً ومكاناً للعب".

الصورة
تعد الحدائق متنفساً للعائلات والأطفال (العربي الجديد)
تعد الحدائق متنفساً للعائلات والأطفال (العربي الجديد)

وترتفع درجات الحرارة في مدينة الرقة بشكل كبير خلال فصل الصيف، الأمر الذي يجعل الحدائق العامة مقصداً للأهالي مساء، ما يتيح للعائلات الالتقاء. ويتحدث محسن العمر لـ"العربي الجديد"، عن أهمية هذه الحدائق، ويقول: "من الجيد إعادة تأهيل الحدائق العامة. بعد العودة من العمل مساء وأخذ قسط من الراحة، غالباً ما أذهب برفقة أولادي وزوجتي إلى الحديقة. نأخذ معنا الشاي ونبقى فيها حوالي ساعتين، ويلعب الأولاد على مقربة منا. نبتعد قليلاً عن المنزل ونتيح للأطفال فرصة اللعب في الحديقة، وخصوصاً أن الجو يكون لطيفاً في الحديقة مساء". 

من جهتها، تقول ريم الصالح، من إدارة الحدائق والتشجير في بلدية الشعب بالرقة، لـ"العربي الجديد": "لدينا 9 حدائق عامة في مدينة الرقة، وهي الاستقلال، المروريه، 7 نيسان، جواد أنزور، الأطفال، البجعة، الرشيد، البستان والقائد، وهي جاهزة لاستقبال الناس. لدينا طاقم إداري يضم مهندسين وإداريين يتمتعون بالخبرة الكافية. خلال فترة وجود داعش، دفنت الجثث في الحدائق، وزرعت ألغام وحفرت خنادق داخل الحدائق. كان وضعها سيئاً جداً. وحين تأسست بلدية الشعب بالرقة عام 2017، بدأت دائرة الحدائق والتشجير العمل بعدد قليل من العمال، وأزيلت منها الألغام بهدف إعادة الحياة لمحافظة الرقة. والعمل مستمر لإعادة تأهيل كافة الحدائق، كونها المتنفس الوحيد للأهالي".
وتمكّنت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) من تحرير مدينة الرقة بشكل كامل من سيطرة داعش، بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، لتعود الحياة إلى المحافظة بشكل تدريجي، ويعود المهجرون والنازحون وتنشط الحركة الاقتصادية، وإن كانت عملية إعادة الإعمار لا تزال بطيئة.

المساهمون