تحاول العراقية السبعينية أمّ محمد، إعالة أولادها الثلاثة، ابنان وابنة، وهم من ذوي الإعاقة، براتب شهري قدره 175 ألف دينار عراقي (نحو 120 دولاراً أميركياً). يأتي ذلك حيث إنّ دائرة الرعاية الاجتماعية في مدينة الرطبة بمحافظة الأنبار أقصى غربي البلاد، لم توفّر راتباً شهرياً إلا لابنها البكر، فيما بقي الآخر وشقيقته من دون أيّ مخصصات تساعد على توفير احتياجات رئيسية لهما.
تقول أمّ محمد بصوت يائس ومتعب لـ"العربي الجديد": "أنا أعيل أبنائي وحدي منذ أكثر من 15 عاماً بعد وفاة زوجي من جرّاء مرض كلوي، وتعبت من هذه الحياة". تضيف وهي بالكاد تحبس دموعها: "منذ شهرَين، بدأوا يعطونني 150 ألف دينار (نحو 100 دولار) فقط، فيما راتب ابني 175 ألفاً. وعندما أردت تسجيل ابني الثاني وابنتي ليتمكّنا من الحصول على حقوقهما من خلال ما تقدّمه الرعاية الاجتماعية، استغلّ أحد الموظفين جهلي بالقراءة والكتابة لكوني أميّة، وأخذ منّي 60 ألف دينار (نحو 40 دولاراً) من دون أن يسجّلهما، وأنا ما كنت أعرف أنّه نصّاب".
وتشير أمّ محمد إلى أنّ "الحياة صارت صعبة جداً في العراق بسبب غلاء المعيشة وعدم توافر أبسط الخدمات، ولا أحد يكترث بالأشخاص ذوي الإعاقة. وفي ما يخصّ عائلتي، فبالكاد توفّر لقمة العيش بمساعدة بعض الأقارب". وتؤكد أنّ عائلتها "محرومة أبسط الحقوق نتيجة الإهمال وسرقة الحقوق والفساد الإداري في مؤسسات الرعاية الحكومية".
وحالة عائلة أمّ محمد ما هي سوى مثال دالّ على أوضاع العائلات العراقية التي تحتاج إلى الرعاية الاجتماعية. وفي هذا الإطار، تفيد وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق "العربي الجديد" بأنّها لا تستطيع صرف رواتب لكلّ العائلات "تحت خط الفقر"، بسبب قلة التخصيصات المالية، كذلك فإنّها لا تستطيع رفع قيم الرواتب الشهرية بما يضمن توفير الاحتياجات الرئيسية لتلك العائلات.
ويأتي ذلك في ظل ارتفاع خطر بمعدّلات الفقر في عموم مدن البلاد، لكنّ الفقر يبدو أبرز في مناطق الشمال والغرب التي شهدت في السنوات الماضية معارك طاحنة بين القوات العراقية والتحالف الدولي، من جهة، ومسلحي تنظيم داعش من جهة أخرى، خلّفت دماراً هائلاً أتى، بحسب المسؤولين العراقيين، على أكثر من 60 في المائة من البنى التحتية في تلك المناطق، لعلّ أبرزها الموصل وتكريت والفلوجة والرمادي شماليّ وغربيّ العراق.
ويوضح المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية نجم العقابي لـ"العربي الجديد" أنّ "الوزارة تعاني من قلة التخصيصات المالية التي تحول دون شمول عدد أكبر من المواطنين برواتب الرعايا الاجتماعية". يضيف أنّ "أكثر من 1.4 مليون عائلة تتلقى إعانات نقدية شهرياً من ضمن نظام الرعاية الاجتماعية، فيما انتهت إجراءات البحث الخاصة بـ300 عائلة أخرى، بالإضافة إلى 97 ألف أسرة أخرى شُملت في البحث من دون أن تدخل النظام"، لافتاً إلى أنّ "سنوات مرّت منذ ذلك الحين، إلا أنّ الإعانات المالية لم تصل إليها لعدم توافر التخصيصات اللازمة".
ويقول العقابي إنّ "قانون الحماية الاجتماعية رقم 11 لسنة 2014 يشمل الفئات تحت خط الفقر"، مبيناً أنّ "الوزارة بدأت بفئات العاطلين من العمل والأرامل والمطلّقات والأشخاص ذوي الإعاقة والعاجزين، وثمّة فئات أخرى تخضع لقانون الحماية الاجتماعية". وبحسب بيانات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، تراوح رواتب كلّ عائلة ما بين 100 ألف دينار (نحو 70 دولاراً) و225 ألفاً شهرياً (نحو 155 دولاراً).
وعن إمكانية كفاية رواتب الرعاية الاجتماعية العائلات دون مستوى خط الفقر في العراق، في ضوء الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها العراق، يقول الخبير الاقتصادي ثائر الخزعلي لـ"العربي الجديد" إنّ "رواتب الرعايا الاجتماعية قليلة جداً مقارنة بالوضع المعيشي الحالي وغلاء الأسعار"، مضيفاً أنّ "هذه الرواتب لا تكاد تكفي عائلة واحدة في البلاد لأكثر من أسبوع واحد". ويوضح الخزعلي أنّ "الحد الأدنى الذي يكفي عائلة مكوّنة من خمسة أفراد هو 650 ألف دينار (نحو 445 دولاراً) شهرياً، وذلك إذا افترضنا أنّ سكنها ملكها وليس مستأجراً".
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي عامر الجواهري أنّ "مقياس معدّل الدخل المناسب للأسرة العراقية لتأمين متطلبات حياة مقبولة يعتمد على المستوى الاجتماعي ونوع المعيشة والطابع المكاني للريف والمدينة والأساس الاقتصادي لنشاطها وعدد أفراد الأسرة، ومستوى الخدمات والبنى التحتية المتاحة التي تساهم في تحسين أو تراجع مستوى الحياة للمواطنين". يضيف الجواهري لـ"العربي الجديد" أنّ "ضعف إدارة موارد الدولة وانهيار الخدمات والبنى التحتية وبيئة الأعمال وعدم تمكين القطاعات الاقتصادية المختلفة من تطوير أعمالها ترتبط كلّها بشكل وثيق بانعدام فرص العمل وإبقاء عدد كبير من فئتَي الشباب والنساء في خارج العملية الإنتاجية والاعتماد بشكل كامل على رواتب الرعايا الاجتماعية المحدودة".
ويتابع الجواهري أنّ "الأهم في الواقع العراقي ليس مواجهة حالة الفقر من طريق توزيع الأموال، بل معالجة الملفات الاقتصادية والخدمية من خلال الإسراع بالعمل على تطوير وتوفير الخدمات الصحية والكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحي ووسائل النقل الجماعي والطرق والشوارع الجيدة"، مشيراً إلى أنّ "هذه كلّها عوامل تساهم مباشرةً في تحسين اقتصاديات وترتبط بخطوات تنويع الدخل وتحسين الإيرادات لجميع العاملين في مختلف القطاعات، وبالتالي ينعكس كذلك على تحسين الناتج المحلي".
وتتضارب الأرقام الرسمية حول نسبة الفقر الحقيقية في العراق، وكان تقرير سابق لوزارة التخطيط قد أوضح أنّ "تداعيات أزمة كورونا الوبائية أدت إلى إضافة 1.4 مليون عراقي جديد إلى إجمالي عدد الفقراء البالغ 11 مليوناً و400 ألف فرد، بعدما كان يُقدَّر قبل الأزمة بنحو 10 ملايين، أي إنّ نسبة الفقر ارتفعت إلى 31.7 في المائة، بعدما كانت 20 في المائة في عام 2018".