الدنمارك واللاجئون... ترحيل إلى مخيمات خارج أوروبا

09 يونيو 2021
تحرّك مناهض لترحيل السوريين في الدنمارك (داوود شولاك/ الأناضول)
+ الخط -

 

بعد أشهر من الترقّب، أصدرت الدنمارك قانونها الخاص بطالبي اللجوء، والذي يمكّنها من إنشاء مخيمات لهؤلاء في خارج أوروبا، الأمر الذي أثار حفيظة مدافعين عن حقوق الإنسان وكذلك الأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية.

أثار تصويت البرلمان الدنماركي أخيراً، بأغلبية أصوات اليمين ويمين الوسط إلى جانب حكومة الاجتماعي الديمقراطي، على سياسة لجوء مختلفة تقوم على إنشاء مخيمات استقبال لطالبي اللجوء في خارج أوروبا، تحفظاً أوروبياً وكذلك من الأمم المتحدة. ويسعى وزير الهجرة والدمج ماتياس تسفاي إلى استغلال ثغرة في القوانين الأوروبية لتطبيق سياسات متشددة حيال طالبي اللجوء إلى بلاده، علماً أنّ لدى الدنمارك تحفّظات قانونية منذ تسعينيات القرن الماضي، الأمر الذي يجعلها تتمكّن من التملّص من سياسة اللجوء الأوروبي المشترك. وهو ما يضع الاتحاد الأوروبي في موقف صعب ويدفعه إلى مراجعة احتمال أن تكون الدنمارك قد خرقت المعاهدات الأوروبية بشأن اللجوء. وعلى الرغم من تحذير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من سياسات التشدد الدنماركية، إلى جانب انتقادات أوروبية في هذا الخصوص، فإنّ مساعي حكومة يسار الوسط لتمرير قانون معالجة قضايا اللجوء في دولة ثالثة (خارج أوروبا) لم تتوقف منذ العام الماضي حتى تأمّنت لذلك أغلبية برلمانية. في هذا الإطار، رأى المتحدث باسم المفوضية الأوروبية أدالبرت جانز أنّ الخطوة تثير أسئلة أساسية في ما يتعلق بطلب اللجوء وتقديم الحماية "إذ إنّه من غير الممكن اقتراح نظام جديد للهجرة واللجوء مع تشريعات الاتحاد الأوروبي الحالية". وقد نقلت عنه الصحافة الدنماركية أنّ الخطوة الدنماركية "على الرغم من التحفظات القانونية للدنمارك، سوف تجمّد التزام كوبنهاغن باتفاقية دبلن حول اللجوء". يُذكر أنّ الاتفاقية تنصّ على أن تكون الدولة الأوروبية التي يدخل إليها المهاجر للمرّة الأولى مسؤولة عن تسجيله وإجراءات لجوئه. أضاف جانز: "نحن في حاجة إلى تحليل الأمر بشكل أعمق"، في إشارة إلى بحث المفوضية في إمكانية خرق كوبنهاغن المواثيق الأوروبية بسبب تحفظاتها القانونية السابقة.

والخطوة الدنماركية الساعية إلى اتفاقيات مع دول في خارج أوروبا، خصوصاً في أفريقيا، على الرغم من عدم الإفصاح عن دول وافقت على إنشاء مخيمات استقبال على أراضيها نيابة عن الدنمارك، تعيد إلى الواجهة ما جرى التوقيع عليه مع رواندا في أفريقيا بهذا الخصوص في إبريل/ نيسان الماضي، وهو ما لم تكشفه الحكومة حتى اليوم. وتبرز تخوفات كثيرة يطرحها اليسار الدنماركي ومنظمات حقوقية بشأن إقدام الدنمارك على سياسة لجوء جديدة من خارج القوانين الأوروبية.

الصورة
سوريون في كوبنهاغن ضد الترحيل من الدنمارك (داوود شولاك/ الأناضول)
سوريون في كوبنهاغن ضدّ الترحيل (داوود شولاك/ الأناضول)

من غير الواضح ما إذا كان ذلك سوف يؤثّر على مئات اللاجئين السوريين الذين تشير كوبنهاغن إلى أنّها تراجع إقامات الوافدين منهم من دمشق وريفها وكذلك مناطق أخرى تعدّها "آمنة". ومع عجز أحزاب اليسار عن وقف مشروع قانون التأسيس لمراكز استقبال في دول ثالثة، يسود قلق بين ناشطين وطالبي لجوء بشأن الخطوة التالية. وتزامناً مع تبنّي القانون، يحتجّ عدد من السوريين في الدنمارك على تصنيف دمشق وريفها منطقتين آمنتين، مع توالي تجميد رخص إقامة العشرات منهم بقصد الترحيل إلى سورية. وعلى الرغم من ذلك، يعوّل هؤلاء على غياب أغلبية برلمانية وكذلك سياسية توافق على فتح قنوات مع النظام السوري في دمشق، كشرط أساسي لترحيل اللاجئين طوعياً بالاتفاق مع سلطات بلاد المنشأ. وتتزايد المساعي الحقوقية لتوضيح خطأ اعتماد تعريف المناطق الآمنة في سورية. وينشط سوريون في كوبنهاغن لتوضيح الواقع السوري أمام السياسيين وأعضاء البرلمان، بخلاف الاستنتاجات التي خلص إليها وفدان دنماركيان زارا في عام 2018 العاصمتَين السورية واللبنانية، إذ أفادا بأنّ "الوضع الأمني في دمشق وريفها تحسّن". وهو ما بنت عليه وزارة الهجرة والدمج للبدء بوقف تجديد إقامة الحاصلين على "حماية مؤقتة" (إقامة لجوء مؤقت منذ عام 2015)، ابتداءً من العام الماضي.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

ولا تُعَدّ الدنمارك الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي قررت اعتماد تعريف "مناطق آمنة". فقد بيّنت تقارير دنماركية أنّ رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يتبنّى منذ العام الماضي السياسة نفسها، موضحة أنّ بودابست رحّلت بعض السوريين إلى دمشق بتنسيق مع النظام السوري، من دون معرفة مصير المرحّلين. ويراهن أصدقاء السوريين واليسار عموماً، إلى جانب جهود "مجلس اللاجئين الدنماركي"، على غياب موقف دولي، خصوصاً من الأمم المتحدة، يقبل بتعريف "المناطق الآمنة" الذي تتبناه حكومة يسار الوسط بدعم من اليمين المتشدد ويمين الوسط.

وحتى لو لم ترحّل الدنمارك السوريين الذين جُمّدت إقاماتهم، فإنّ تحويلهم إلى "مقيمين غير شرعييين" والسعي إلى إسكانهم في ما يشبه مخيمات ترحيل مخصصة عادة للذين رفض لجوؤهم، يعني عملياً توقف حياة هؤلاء وأسرهم. وقد يؤدّي الأمر لدى بعض الأسر إلى تشتّت إضافي. فأحياناً، يحصل الوالدان على رفض تمديد إقامتَيهما بخلاف الأبناء، إذا قُدّر أنّهم قد يتعرضون إلى خطر، والعكس صحيح في حالات أخرى. فقد تبلّغ عدد من الشبان والشابات من الذين يتابعون دراساتهم قراراً من دائرة الهجرة يفيد بأنّهم تحوّلوا إلى مقيمين غير شرعيين، وبالتالي تم وقف العملية التعليمية، من دون أن يُبلَّغ الأهل بالقرار نفسه.

الصورة
طالبو لجوء سوريون في الدنمارك (بيورن هالدورسن/ الأناضول)
ظنّوا في ذلك الحين أنّهم أصبحوا في أمان (بيورن هالدورسن/ الأناضول)

وتستند حكومة يسار الوسط في تعاطيها مع اللجوء السوري المؤقت (نحو ألف من بين نحو خمسة آلاف طالب لجوء وصلوا إليها في عام 2015)، إلى أيام حكم يمين الوسط وتشدد وزيرة الهجرة السابقة إنغا ستويبرغ في حقّ هؤلاء. بالنسبة إليها فإنّ هؤلاء، عندما تقدّموا باللجوء وطلب الحماية، لم يحكوا عن اضطهاد شخصي أو عن أنّهم مطلوبون للنظام لأسباب سياسية، بحسب ما يبرر تسفاي تشدده مع هذه الفئة. وترى الحكومة أنّها منحت حماية مؤقتة للوافدين من دمشق وريفها على أساس "الوضع العام للحرب وغياب الأمن"، وتردد في وسائل الإعلام وفي البرلمان أنّه "منذ البداية جرى إخبار اللاجئين بصفة مؤقتة بأنّه سوف تتعيّن عليهم العودة إلى بلدهم حال تحسّن الوضع". لكنّ السوريين يؤكدون أنّه من الخطأ تماماً تصنيف منطقتي دمشق وريفها آمنتَين في ظل النظام نفسه الذي هجّر السوريين، وكثيرون منهم حصلوا على لجوء تلقائي دون الاستماع لقصصهم الشخصية، وفق تصنيفات اختارتها الحكومة السابقة (يمين الوسط في 2015).

تجدر الإشارة إلى أنّ اللاجئين السوريين تعرّضوا منذ وصولهم إلى الدنمارك وألمانيا إلى حملات تشويه وبروباغندا ساهمت فيها أصوات مهاجرين سوريين (وغيرهم من مؤيدي نظام دمشق) مقيمين في البلاد منذ عقود عدّة. واتّهم هؤلاء ضمنياً اللاجئين من أبناء بلدهم بأنّهم "تسبّبوا في تخريب سورية" وأنّهم "لاجئون اقتصاديون"، أي أنّهم فرّوا من سورية نتيجة الوضع الاقتصادي. وكتب بعض هؤلاء مقالات في الصحف الدنماركية، من بينهم صحافيون سابقون، شدّدوا في خلالها على تشويه الثورة السورية وكيل اتهامات لمواطنيهم طالبي اللجوء مدّعين أنّهم لا يستحقون حماية وأنّه ما من خطر أمني عليهم، وذلك إلى جانب مساهمة بعضهم في الدفع نحو زيارة وفدَين إلى سورية ولبنان للخروج بخلاصة "المناطق الآمنة".

بعيداً عن تأثيرات القانون الجديد على أوضاع السوريين، فإنّه يثير بعض السجالات القانونية المحلية والأوروبية. وقد رأت أستاذة القانون وخبيرة الهجرة في جامعة آرهوس (وسط)، لويزا هالسكوف، أنّه طالما لم يُعلن عن اتفاق مع دولة ثالثة لتطبيق سياسة الاستقبال في خارج أوروبا، فإنّه "من الصعب معرفة ما إذا كانت الخطوة متعارضة مع القوانين الأوروبية، مع الأخذ بالاعتبار التحفظات القانونية للدنمارك على الاتفاقيات الأوروبية المشتركة بشأن الهجرة واللجوء وغيرها من القضايا". وتشرح هالسكوف أنّ الدنمارك، بهذا القانون، تضع نفسها خارج اتفاقية دبلن، لافتة إلى أنّه "من غير المعروف كيف سوف تكون ردود فعل الدول الأوروبية الأخرى إذا أعادت الدنمارك طالبي اللجوء الذين وصلوا إلى تلك الدول أوّلاً قبل وصولهم إلى الدنمارك". ومع توالي الانتقادات، رأى تسفاي أنّ خطوة بلده تأتي في ضوء "إفلاس نظام اللجوء الأوروبي"، وشدّد على أنّ "آلاف الأشخاص يغرقون، وكثيرون هم المهاجرون الذين يأتون إلى أوروبا ولا يتمتّعون بحقّ الحماية على الإطلاق. لهذا نعتقد أنّ ثمّة حاجة ماسة إلى نظام جديد وأكثر عدالة. ونحن في حوار مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي حول كلّ ما يتعلق بقضايا الهجرة".

المساهمون