لم تتوقف أحاديث الليبيين حول إمكانية وجود مواد مسرطنة في رغيف الخبز منذ انتشار أخبار اكتشاف مادة برومات البوتاسيوم في الدقيق المستخدم في البلاد، في ظل تنامى شعور من القلق العميق بسبب مخاطر هذه المادة المحظورة في الأسواق الليبية، وبالتزامن مع الكشف عن زيادة معدلات الإصابة بالسرطان في البلاد.
بدأت القصة في مطلع أغسطس/آب الماضي، بإعلان المركز الليبي للتحاليل الكيميائية التابع لوزارة التعليم العالي، اكتشافه وجود نسب كبيرة من "برومات البوتاسيوم" في عينات من الخبز المحلي، مؤكداً أن الفحص أثبت وجود المادة بنسب تفوق النسبة المسموح بها، وبمعدلات تراوحت بين 300 إلى 1300 في المائة من النسب المعتمدة صحياً.
صدمة الشارع الليبي بسبب تلك التصريحات لم يخمدها نفي نقابة الخبازين ومركز الرقابة على الأغذية والأدوية للأمر استناداً إلى تحاليل أجراها المركز الحكومي على الخبز المحلي.
وفي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أكد مكتب النائب العام مجدداً وجود برومات البوتاسيوم بنسب غير آمنة في عينات دقيق وعينات خبز قام باختبارها مستعيناً بأحد بيوت الخبرة الألمانية، وقامت النيابات بإقفال 232 مخبزاً مخالفاً في بلديات متعددة، كما ضبطت 411 شخصاً، من بينهم 283 أجنبيا، كانوا قائمين على مخابز ومطاحن.
وتزامناً مع بدء النيابات في إجراءات إقفال المختبرات المخالفة، والقبض على بعض أصحابها، ساد هدوء نسبي لفترة قصيرة، قبل أن تتجدد مخاوف المواطنين بعد إعلان رئيس اللجنة العليا لمراقبة المخابز، علي أبو عزة، الأسبوع الماضي، عدم استطاعة اللجنة معرفة نوع الدقيق الممنوع على المخابز استخدامه، مطالباً النيابة العامة بتحديد أنواع الدقيق التي تحتوي على المادة المحظورة لمنع المخابز من استخدامها في إنتاج الخبز.
ولا تزال نقابة الخبازين تصر على عدم وجود برومات البوتاسيوم في الدقيق، ويؤكد نقيب الخبازين، أبو خريص محمد، أنه "في كل الأحوال، لا توجد مسؤولية للخبازين في ما يخص مكونات الدقيق". ويضيف لـ"العربي الجديد": "كنقابة لا نملك مختبرات لتحليل الدقيق، أو تمييز مكوناته، ونستعمل دقيقا مصنعا محلياً، أو مستوردا بمعرفة الدولة، والتحاليل مسؤولية السلطات المعنية". يتابع: "الخباز يستلم كيس الدقيق مختوماً من الجهات المعنية، وعليه تاريخ الصلاحية، وأسماء ونسب المكونات، مع الإذن باستعمالها من مركز الرقابة على الأغذية والأدوية، وليس على الخباز أن يفعل شيئا لمراقبة الدقيق، فهذه مهمة السلطات. تم حظر استخدام برومات البوتاسيوم بقرارات سابقة لوزارة الاقتصاد، وإن تسرب شيء من هذه المادة إلى الدقيق، فهذا أمر لا نستطيع التحكم فيه".
ويشدد نقيب الخبازين على جودة المختبرات الموجودة في المطاحن، وفي مركز الرقابة على الأغذية والأدوية، وأن بإمكانها اكتشاف المادة المحظورة في حال وجودها، مبدياً استغرابه من العثور على المادة المسرطنة عبر تحليلات النيابة دون غيرها من التحليلات.
ويؤكد عبد الباسط الأمين، وهو صاحب مخبز في تاجوراء، تراجع إقبال الليبيين على شراء الخبز، ويوضح لـ"العربي الجديد": "حدث الشيء نفسه في بداية جدل المادة المسرطنة، لكنه تراجع لاحقاً، وعاد الناس إلى شراء الخبز، فهو مادة أساسية في العيش اليومي، لكن الإحجام بدأ مجدداً بسبب تضارب التصريحات".
من جانبه، يشتكي عيسى شبل، وهو صاحب مطعم في حي طريق الشوك بالعاصمة طرابلس، من تراجع النشاط، مرجعاً السبب إلى جدل المواد المسرطنة في الخبز، ويقول لـ"العربي الجديد": "أغلب مطاعم البلاد تعتمد على خدمات (تيك أواي) لأنّ الليبيين يحبون السندوتشات الجاهزة، إما لاستغلال الوقت، أو الرغبة في الخصوصية أثناء الأكل، أو رخص أسعار السندوتشات عن أطباق اللحوم والأسماك، وأشهر الأطباق الشعبية تعتمد على الدقيق، وبالتالي فإن عدم حسم السلطات لقضية المواد المسرطنة في الدقيق يؤثر بشكل كبير على عمل المطاعم".
ويقول معتز الشاردة، وهو مواطن من بنغازي، لـ"العربي الجديد"، إنه بات يشعر بالقلق بسبب التضارب الكبير في تصريحات المسؤولين. "عندما ينفي أحدهم ويؤكد الآخر سينتابني الخوف بالطبع، فالقضية تتعلق بالقوت الأساسي اليومي. لو كانت الأزمة متعلقة بالمخابز لكان بإمكاننا الاستعاضة عنها بالخبز المنزلي، لكنه يتعدى ذلك إلى الدقيق كمادة أساسية في كل مأكولاتنا".
وعلى الرغم من كل هذه المخاوف لا يجد الشاردة سبيلاً سوى استخدام الدقيق المتاح، مؤكدا أنه عادة ما يشتري الخبز من مخابز مدينته بنغازي، حتى وإن كان يشعر بالقلق أو تنتابه مخاوف من إمكانية وجود هذه المواد المحظورة، وتأثيرها على صحة أسرته.