الدروس الخصوصية من نشاط ممنوع إلى مقنَّن في مصر

25 أكتوبر 2022
الدروس الخصوصية إلى الخصخصة في مصر (ريتشارد بيكر/ Getty)
+ الخط -

فجّر وزير التربية والتعليم المصري رضا حجازي، قبل أسبوع، مفاجأة من العيار الثقيل، بكشفه خلال جلسة عقدها البرلمان خطة أعدتها الوزارة، وتقضي بترخيص مراكز الدروس الخصوصية "السناتر"، وتشريع الدروس التي يعطيها المعلمون الذين يعملون فيها. وخاطب النواب، قائلاً: "تضمن الخطة سلامة البيئة التي يدرس فيها الطلاب، وتجعل الدولة تأخذ حقوقها المالية من الإيرادات"، مشيراً إلى أنّ "فاتورة الدروس الخصوصية في مصر تبلغ 47 مليار جنيه (2.4 مليار دولار)، والحكومة لا تعلم شيئاً عنها، وهذا أمر لا يجوز".
واللافت أن ما أعلنه الوزير حجازي يتعارض كلياً مع الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية العام الماضي ضد القائمين على "السناتر". ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2021، شنت أجهزة الأمن وتلك التابعة للبلديات حملة شرسة على مراكز الدروس الخصوصية، وأغلقت بالتعاون مع وزارة التنمية المحلية 97 ألفاً منها، وذلك بعد شهر واحد من قرار الوزير السابق طارق شوقي إغلاقها.
وللإجابة عن السؤال البديهي المطروح عن التغير الذي دفع إلى إصدار خطة لتحويل مراكز الدروس الخصوصية من نشاط ممنوع إلى مقنَّن يخضع لإشراف حكومي، رغم خطورتها وتأثيراتها السلبية في عملية التعليم ودور المدرسة، يقول برلماني مصري معارض لـ"العربي الجديد": "تحوّل سياسة الدولة من مواجهة ظاهرة الدروس الخصوصية التي دأب تربويون ونواب طوال أعوام سابقة على وصفها بأنها أمر سلبي لجأت إليه الأسر المصرية في شكل اضطراري لمواجهة بعض مظاهر الضعف في التعليم وأساليب استيعاب التلاميذ للدروس الممنوحة في مواد مختلفة، إلى تأييد تقنينها والعمل لاحتواء نشاطها عبر توفير غطاء رسمي له، أمر غير مستغرب في الفترة الراهنة.

فما أعلنه الوزير يتماشى تماماً مع سياسات الدولة الخاصة بتدبير الأموال من أي مورد. والحقيقة أنّ رقم الـ47 مليار جنيه من الإيرادات سنوياً التي ينفقها المصريون على الدروس الخصوصية، هو ما أسال تحديداً لعاب المسؤولين في الحكومة التي تواجه مأزقاً اقتصادياً عنيفاً دفعها إلى تخطي الخطوط الحمراء في قطاعات كثيرة، وليس في قطاع التعليم فقط".
ويقول نائب برلماني من حزب "مستقبل وطن" لـ"العربي الجديد": "ليس صحيحاً أنّ القرار يهدف إلى تنظيم عمل مراكز الدروس الخصوصية لضمان جودة التعليم الذي تقدمه، وتنظيم عملها ومراقبته لضمان تقديم خدمة أفضل للطلاب، فالهدف خصخصة العملية التعليمية بالكامل بعد التحلل من دور المدارس الحكومية التي لا تزال تضم ملايين التلاميذ الذين ينتمون إلى طبقات اجتماعية غير قادرة على تحمّل رسوم المدارس الخاصة".

نحو إضعاف دور المدارس (فاضل داود/ Getty)
نحو إضعاف دور المدارس (فاضل داود/ Getty)

يتابع: "في ظروف مغايرة لتلك التي تمرّ بها الدولة حالياً على الصعيد الاقتصادي، لم يكن ليتخذ قرار مثل تقنين مراكز الدروس الخصوصية، ووضع عملية تنظيم مجموعات التقوية في عهدة شركات خاصة، علماً أننا كنا نشاهد العام الماضي فقرات إخبارية ثابتة في نشرات وفواصل دعائية تبثها وسائل إعلام مرئية تابعة للدولة، وتستعرض جهود أجهزة الأمن وتلك التابعة لبلديات المحافظات في إغلاق هذه المراكز، وملاحقة القائمين عليها".
ويرفض النائب المصري مقولة أن نشاط الدروس الخصوصية في مصر مقنن فعلاً، وفقاً لبيان نشرته مصلحة الضرائب المصرية العام الماضي، الذي تزامن حينها مع إصدار قرار ألزم العاملين في مراكز الدروس الخصوصية بدفع ضرائب عن نشاطهم. ويعلّق بأن "هذه المقولة ترويج لواقع مزيف، خصوصاً أنّ الضرائب تُجبى من أي نشاط يجلب إيرادات مالية، وهو ما أكدته المصلحة نفسها".

ويشدد على أنّ "صاحب قرار التقنين اهتم بما تنفقه الأسر المصرية على الدروس الخصوصية، الذي يتجاوز حتى الرقم الرسمي المعلن من الوزير والمقدر بـ47 مليار جنيه، إذ قد يناهز المبلغ الحقيقي 67 مليار جنيه (3.4 مليارات دولار). وهكذا يبدو أن الحصيلة التي جمعتها الدولة من الضرائب المفروضة على مراكز الدروس الخصوصية لم تكن كافية أو مقنعة للمسؤولين، لذا اتجهت أنظارهم إلى الحصيلة الأكبر".

يرتبط قرار تقنين الدروس بما تنفقه الأسر المصرية على الدروس الخصوصية (خالد دسوقي/ فرانس برس)
يرتبط القرار بما تنفقه الأسر المصرية على الدروس الخصوصية (خالد دسوقي/ فرانس برس)

وكان المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم المصرية، شادي زلط، قد وصف في تصريحات صحافية، التوجه الرامي إلى تقنين مراكز الدروس الخصوصية، بأنه "خطوة للسيطرة على سلبيات واجهها المجتمع طوال أعوام شهدت تنامي ثقافة الدروس الخصوصية من دون إخضاعها لأيّ سيطرة أو ضوابط من الدولة".

ورأى عضو في حزب الحركة المدنية الديمقراطية أنّ "التوجه الذي أعلنه وزير التعليم لمجلس النواب لا يختلف كثيراً عن السياسة التي تتبعها السلطة الحاكمة منذ 5 سنوات على الأقل، والتي تهدف إلى بسط سيطرتها على أي نشاط يدرّ عائدات مالية، وبينها مثلاً محطات شل أوت للزود، والشركة المتحدة التي انتقلت إليها ملكية وسائل الإعلام الخاصة من صحف ورقية وإذاعات وقنوات فضائية، واستحوذت أيضاً على حقوق التسويق الإعلاني للأندية، مقابل مبالغ مالية كبيرة. والشركة الخاصة التي ستدير عملية تنظيم الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية، لن تخرج تبعيتها عن جهات سيادية، وستُسوَّق نشاطاتها من خلال حملة تؤكد الكفاءة في ضمان جودة خدمات التعليم المقدمة".
وكان وزير التعليم السابق طارق شوقي الذي كان يحظى بثقة كبيرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، يدأب على مهاجمة مراكز الدروس الخصوصية، وقال في إحدى المناسبات: "الدروس التي تعطيها مراكز الدروس الخصوصية (السناتر) لا يضيف شيئاً إلى تعليم الطلاب، ولا تساعدهم في اجتياز الامتحانات والحصول على معدلات جيدة تعكس جودة التعليم ومساهمته في رفع مستوى المجتمع المصري وثقافته العالية، ونحن لا نتحمل مسؤولية نشاطاتها بأيّ شكل من الأشكال، ونتمسك بالتصدي لها وإغلاقها".

المساهمون