الدروس الخصوصية... استنزاف لجيوب المصريين قبل بدء الدراسة

25 اغسطس 2023
لطالما أنهكت الدروس الخصوصية الأهل في سنوات دراسية سابقة (محمد الراعي/ الأناضول)
+ الخط -

بدأ المُعلمون ومراكز الدروس الخصوصية الإعلان عن موسم الدروس الخصوصية الجديد مبكراً، أي قبل أكثر من شهر على بداية العام الدراسي الجديد في 30 سبتمبر/أيلول المقبل، بحسب وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني المصرية. وبدأ الطلاب حجز أماكنهم في المراكز التعليمية المنتشرة على مستوى محافظات مصر، أو حجز مدرس خاص للعام الدراسي المقبل.
وانتشرت إعلانات لمعلمين على وسائل التواصل الاجتماعي لإعطاء دروس خصوصية في مختلف المراحل الدراسية، وذلك في المنازل أو المراكز التعليمية، التي يعتمد عليها الطلاب وخصوصاً في المرحلة الثانوية. وانتقد أولياء الأمور ما وصفوه ببدء "الثقب الأسود" الذي يبتلع أموالهم مبكراً، مطالبين بمراعاة ظروفهم وتخفيض أسعار الحصص.
وتقدمت عضوة مجلس النواب فاطمة سليم بسؤال برلماني إلى رئيس المجلس حنفي الجبالي، موجه إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير التربية والتعليم والتعليم الفني، بشأن انتشار إعلانات الدروس الخصوصية مبكراً على مواقع التواصل الاجتماعي. وتقول: "انتشرت منذ فترة كبيرة إعلانات مختلفة عن الدروس الخصوصية للعام الدراسي الجديد قبل الانتهاء من العام الحالي، لا سيما في وقت امتحانات الثانوية العامة"، محذرة من أن "هذه الظاهرة تمثل خطورة كبيرة في القضاء على دور المدارس، فضلاً عن نسف الدور الذي تقوم به مجموعات التقوية التي تقدمها وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في العديد من المدارس".
وأشارت إلى أن غالبية إعلانات الدروس الخصوصية تكون لخريجين جدد ليس لديهم خبرة إطلاقاً في العملية التعليمية، ويقومون بالترويج لأنفسهم بعروض عن الحصص بأسعار مختلفة. ويقول حنفي هاشم، ولي أمر طالب في الصف الثالث الإعدادي، لـ"العربي الجديد"، إن "الدروس الخصوصية تنهك أسرته بعدما تحولت إلى تجارة رائجة لا غنى عنها في كل بيت". ويشير إلى أنها "تستحوذ وحدها على 60 في المائة من دخل الأسرة، بينما لا يكفي باقي الدخل لسداد قيمة الفواتير الشهرية وباقي نفقات الأسرة".
يضيف هاشم: "سعدت كثيراً بانتهاء العام الدراسي الماضي، ومنيت نفسي بقضاء 3 أشهر في راحة خلال إجازة نهاية العام الدراسي، لأستعيد عافيتي بعدما أنفقته على الدروس الخصوصية في العام الماضي، لكنني فوجئت بابني يخبرني أن المعلمين أوشكوا على الانتهاء من قبول الطلاب لدروس العام الجديد، ولا بد أن أدفع لتسجيله الآن وقبل حوالي شهر من بدء العام الدراسي". 

من جهتها، تقول فهيمة عبد الجواد، وهي ربة منزل وأم لطالبين في المرحلة الثانوية، "استدنت كثيراً لسداد مصاريف الدروس الخصوصية في العام الماضي، على أمل أن أسدد ديوني خلال فترة العطلة الصيفية. إلا أن مراكز الدروس الخصوصية استكثرت علي ذلك، وأعلنت بدء دروس العام الجديد مبكراً". وتسأل: "هل يرانا المعلمون أثرياء لهذه الدرجة؟ وهل يعتقدون أنه بوسعنا إنفاق آلاف الجنيهات شهرياً من دون أن تتأثر ميزانية الأسرة من طعام وكساء وغير ذلك؟".
تضيف: "كل ما نطلبه هو الرحمة والرأفة بحالنا، وألا يثقلوا عاتقنا بأعباء جديدة في فترة الإجازة الصيفية. تكفينا أسعار الدروس الخصوصية التي تزداد من عام إلى آخر، وتختلف من مدرس إلى آخر بحسب المرحلة التعليمية، وغيرها من النفقات الكبيرة التي تحاصرنا طوال العام الدراسي".

يزداد اللجوء إلى الدروس الخصوصية في المرحلة الثانوية (خالد دسوقي/ فرانس برس)
يزداد اللجوء إلى الدروس الخصوصية في المرحلة الثانوية (خالد دسوقي/ فرانس برس)

من جهته، يقول أستاذ اللغة العربية في إحدى مدارس إدارة وسط التعليمية بالإسكندرية محمد عبد الرسول، لـ "العربي الجديد": "كمعلم وولي أمر، أكسب من عملي في الدروس الخصوصية ثم أدفع المال لمعلمين آخرين". يضيف أن "الأسباب التي تدفع الطلاب إلى الالتحاق بالدروس الخصوصية هي ضعف المناهج الدراسية، ووسائل التدريس في المدارس، وعدم كفاية الوقت الذي يقضيه الطلاب في المدرسة، والرغبة في الحصول على درجات مرتفعة في الامتحانات لضمان حجز مكان في المرحلة الأعلى، بالإضافة إلى امتناع بعض المدرسين عن الشرح الكافي في الفصل".
يتابع عبد الرسول: "الأزمة ليست في المعلم بل في المنظومة التعليمية ككل، لأن الكثافة العالية للطلاب في الفصول، وسوء بيئة العمل، وعدم توفير أي أدوات لاستخدام أساليب التعليم الحديثة، وضعف رواتب المعلمين، وعجز القوانين واللوائح عن ردع أي طرف يقصر في مهامه داخل المنظومة، يجعل من المدرسة بيئة عاجزة عن توفير التعليم الحقيقي للطلاب، ما يضطرهم للجوء إلى الدروس الخصوصية".
وعن بدء الدروس مبكراً، يقول: "المناهج طويلة وتحتاج وقتاً أكبر من العام الدراسي. والأهل ينتظرون إلمام أولادهم بالمنهاج الكامل والمراجعة أكثر من مرة قبل الامتحانات، ما يتطلب البدء مبكراً وعدم تضييع أي وقت".

من جهتها، تقول الباحثة الاجتماعية نجلاء عبد المنعم، إن الدروس الخصوصية "تمكنت من ابتلاع المنظومة المدرسية بشكل كامل، وأصبحت الركيزة الأولى للدراسة في مصر، وخصوصاً بعدما نوعت من أساليب تقديمها للخدمة سواء في البيوت أو مراكز الدروس الخصوصية أو أونلاين". وتشير إلى أن "هذه الظاهرة أصبحت مكلفة بالنسبة لميزانية الأسرة، وتستهلك كل أوقات الطلاب حتى قبل بدء العام الدراسي، وباتت تسبب ضغطاً نفسياً كبيراً عليهم، بالإضافة إلى تسببها في تدني مستوى التحصيل الدراسي في المدارس الحكومية، إذ يفضل الطلاب الالتحاق بالدروس الخصوصية بدلاً من الدراسة في المدارس". وتوضح أن "البداية المبكرة للدروس الخصوصية، وتضارب الأسعار، هو أكبر دليل على أنها برمتها عبارة عن تنافس سلبي بين الطلاب. ويسعى كل طالب للحصول على أفضل الدرجات، حتى لو كان ذلك على حساب صحته أو سعادته ووقت إجازته. كما تخلق فجوة بين الطلاب الأغنياء والفقراء، ولا يستطيع الفقراء تحمل تكاليف الدروس الخصوصية، ما يؤثر على مستواهم التعليمي".
وتؤكد على ضرورة مواجهة الظاهرة من خلال تطوير المناهج الدراسية، وجعلها أكثر إثارة للاهتمام، وزيادة عدد الساعات التي يقضيها الطلاب في المدرسة، وتوفير الدعم النفسي للطلاب، حتى يتمكنوا من التعامل مع ضغط الدروس الخصوصية، وتحفيز الطلاب على الدراسة في المدارس عوضاً عن الالتحاق بالدروس الخصوصية.

المساهمون