تعاني شواطئ ليبيا من إهمال مستمر تسبب في رفع منسوب التلوث فيها، وبات يشكل تهديداً كبيراً للحياة البحرية، خصوصاً تلك المرتبطة بأنواع الأسماك المختلفة التي تعج بها الأسواق. أما المسؤولون الحكوميون فيؤكدون أن الأزمة تتجاوز إمكاناتهم في ظل الأوضاع الصعبة السائدة في البلاد.
وفي ظواهر التلوث، عثرت منظمة العلوم والأحياء البحرية، وهي هيئة محلية، على بقايا من حيتان الزعنفي في عدد من المناطق الشرقية، بينها سواحل مدينة بنغازي. وأكدت أن نفوقها مرتبط بأسباب بيئية وبشرية.
وأوضحت المنظمة أن فرقها لاحظت في الفترة الأخيرة نفوق عدد من هذه الحيتان التي يبلغ طولها 27 متراً ووزنها 74 طناً، بتأثير حالات الجوع والتغيرات المناخية والنشاطات البشرية التي تعرضها لأذى كبير، وصولاً إلى حد الموت.
450 نوعاً من الأسماك
يؤكد صبري الطالبي، عضو الجمعية الليبية للتنمية البيئية (محلية)، لـ "العربي الجديد"، أن "شواطئ البلاد تحتوي على أكثر من 450 نوعاً من الأسماك، بعضها مهدد بالانقراض أو الهجرة، بسبب التلوث البشري والصناعي". ويُعدد أهم مظاهر التلوث التي تهدد حياة الأسماك بتكدس القمامة في شكل كثيف، وتحوّل الشواطئ الى مكبات للنفايات الصلبة التي ترميها مصانع حكومية وخاصة معاً. ويقول: "رصدنا العديد من هذه المظاهر، ووثقنا شهادات في شأنها تضمنت تقارير أعدتها جمعيتنا استناداً إلى حالات ووقائع مثبتة، ورفعناها إلى السلطات ووزارة الثروة البحرية، من دون أن يحصل أي تحرك لتلافي هذا الخطر".
ويحذر الطالبي من أن "عدم معالجة الحكومة مشكلات مكبات النفايات سيجعل الشواطئ هدفاً للمواطنين وشركات النظافة والمصانع لرمي النفايات الصلبة فيها، علماً أن جهودنا منبثقة من تحركات أهلية وينقصها الكثير من الدعم للحصول على أرقام دقيقة تعزز فاعلية مواجهتنا الأضرار الناشئة وصدّها. ونعتقد، استناداً إلى دراسات أجريناها، أن عدد أنواع الأسماك التي هاجرت بسب التلوث، أو تلك التي تواجه الانقراض يزيد عن الثلاثين، وأشهرها الفروج والمناني التي توفر شواطئ ليبيا بيئة مناسبة لنموها وتكاثرها".
يتابع: "جرف البحر كميات كبيرة نافقة من أسماك الفروج والمناني بسبب التلوث، كما نفق عدد كبير منها أيضاً في بحيرات صناعية أقيمت كمزارع لتربيتها، بعدما تعرضت لإهمال كبير. والأسماك الملوثة قد تتسبب بأمراض، خصوصاً أسماك الفروج ذات القيمة الغذائية العالية، والتي اعتاد المواطنون أن يشتروها في شكل كثيف".
وزارة الثروة البحرية وحدها في الميدان
يقرّ المسؤول في مكتب الحماية والتفتيش البحري في وزارة الثروة البحرية، عبد الله نوري، في حديثه لـ "العربي الجديد"، بخطورة الوضع، لافتاً إلى أن "سلطة الوزارة لا تسمح بمواجهتها هذا الخطر وحدها من دون التفات باقي أجهزة الدولة المعنية بتوفير مكبات للقمامة، أو سلطة الرقابة التي تعاقب مخالفات نقل مصانع نفايات الصلبة إلى الشواطئ". يُضيف: "أسباب التلوث التي تهدد الحياة البحرية لا تنحصر في ما يُلقى على الشواطئ، بل يشمل أيضاً المواد غير المناسبة التي تصل إلى داخل الحياة البحرية، وبينها مياه الصرف الصحي".
ويوضح أن "شركة الصرف الصحي أبلغت الحكومات المتعاقبة بتعطل كل محطات معالجة مياه الصرف الصحي الموزعة على طول الساحل الليبي، وتصبّ في البحر مباشرة بلا أي معالجة"، مؤكداً أنه اطلع على تقارير حددت كمية مياه الصرف الصحي التي تتدفق على شاطئ العاصمة طرابلس وحده بأكثر من 40 مليون متر مكعب، وهي كمية تخفض نسبة ملوحة المياه، وتحوّل المنطقة إلى بيئة طاردة للحياة البحرية".
يضيف: "وزارة الثروة البحرية لا تشرف حالياً على أي من عمليات الصيد القانوني، ولا تشارك في الرقابة المفروضة على السواحل. وقد تراجعت صادرات الأسماك الحكومية إلى أقل من 90 ألف طن سنوياً، وهو رقم ضئيل جداً على امتداد الساحل الليبي الذي يزيد طوله عن 1900 كيلومتر".
وقاد ناشطون بيئيون مبادرات وبذلوا جهوداً كبيرة لمحاولة تعويض العجز في منع أخطار نفوق أنواع مختلفة من الحياة البحرية. ولم تنحصر المبادرات، بحسب ما يؤكد الطالبي، في تثقيف وتوعية المواطنين للحفاظ على البيئة القريبة من الشواطئ، بل شملت تحركات نفذتها فرق ضمت متطوعين عملوا لتنظيف مساحات طويلة من الشواطئ، بالتنسيق مع الكشافة أو فرق الهلال الأحمر. ويرى الطالبي أن "المبادرات والجهود الأهلية هي طوق النجاة الأخير للحياة البحرية من التلف وتفشي التلوث فيها".