الحمام العربي... إرث صامد منذ 200 عام في تونس

13 يونيو 2024
حمام دار زغوان بتونس (تييري موناس/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تتمتع تونس بتراث غني في الحمامات التقليدية ذات الأصول الرومانية، والتي تحافظ على شعبيتها بجانب الحمامات العصرية، مستقطبة زوارًا من كافة الأعمار.
- الحمامات التونسية تتميز بتصميم معماري خاص يضم غرفًا بدرجات حرارة متفاوتة وتحتفظ بأهمية كبيرة لدى السكان لأسباب تتجاوز النظافة إلى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية.
- تسهم الحمامات التقليدية في تونس بدور فعال في العلاج بالمياه وتعزيز الثقافة والصحة في المجتمع، مع الاستفادة من المياه المعدنية الغنية وتشهد إقبالًا في مناسبات خاصة.

انتشرت في تونس منذ أكثر من 200 سنة الحمامات خصوصاً في المدن القديمة العتيقة. وبقيت غالبيتها صامدة حتى اليوم وتستقبل زواراً من مختلف الفئات العمرية، رغم انتشار الحمامات العصرية وتجهيز البيوت بحمامات فاخرة. 
وللحمام التونسي الذي يُسمى الحمام العربي، تاريخ قديم يعود إلى العهد الروماني. وكشفت العديد من الحفريات عن حمامات يعود تاريخها إلى القرن العاشر للميلاد. 
وتجاور الحمامات، خاصة القديمة، وسط المدن والمحلات التجارية، لذا توجد غالبيتها في المدن العتيقة، وتشهد إقبالاً كبيراً، خصوصاً خلال فصل الشتاء بسبب برودة الطقس. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتتشابه الحمامات في طريقة بنائها، ويضم الحمام في المدخل غرفة صغيرة لصاحبه أو من يعمل فيه، حيث يجري استقبال الناس وجمع رسوم الدخول. وكل حمام مجهّز بغرفة استقبال كبيرة، حيث يغيّر الناس ملابسهم قبل أن يدخلوا إلى المكان المخصص للغسيل. 
ويحتوي الحمام على غرف صغيرة تتوسطها غرفة كبيرة. وفي آخر الحمام توجد غرفة تسمى "بيت السخون"، وهي ذات درجة حرارة عالية جداً لمن يرغب في البقاء لبعض الوقت في جوها العابق بالبخار. والهندسة المعمارية للحمامات في تونس لا تختلف عن تلك الموجودة في تركيا أو المغرب، بل فقط في الزينة وفي استعمال أنواع البلاط والجليز (السيراميك). 
وتشتهر تونس العاصمة بحمام الذهب وحمام الرميمي، ومدينة سوسة بالحمام القديم. وأغلقت بعض الحمامات بسبب ما رُوي عنها من أساطير مخيفة، وأخرى بسبب أعمال الترميم، في حين لا تزال أبواب العديد منها مفتوحة وتحظى بمكانة كبيرة لدى الأهالي والسكان، على غرار حمام سوق العين في مدينة تبرسق بمحافظة باجة، الذي يفوق عمره 200 سنة. 
يقول حاتم الرياحي، الأستاذ الباحث في التراث، لـ"العربي الجديد": "يعود تاريخ الحمام إلى القرن 18، ويسمى بالحمام القديم أو سوق العين. وقد أدخلته عائلات تركية هاجرت إلى تونس. ويوجد في المدينة العتيقة بتونس العاصمة حمام بغدادي وحمام سيدي بن عيسى وحمام سوق العين، وهو أشهرها ويتميز بطابعه الروماني في طريقة تسخين المياه، خصوصاً باستخدام الحطب واستعمال نوعية حجارة تحافظ على البخار".
يضيف: "يتميز الحمام بخاصية فريدة تتمثل في وجوده تحت الأرض. وهذه ميزة نادرة، إذ إن وجوده تحت الأرض يساعد أكثر في الحفاظ على البخار. وهو يضم غرفة تسمى الفرناق مستواها أعلى من مستوى الحمام، وتوقد فيها النار. ويُشرف على تسخين الماء شخص يسمى الفرانقي". 

الصورة
تنتشر الحمامات في المدن القديمة العتيقة بتونس (العربي الجديد)
تنتشر الحمامات في المدن القديمة العتيقة بتونس (العربي الجديد)

ويشرح أن "الحمام ينقسم من الداخل إلى غرف عدة ذات حرارة متدرجة، من بينها غرفة البخار الساخن، وغرفة أكبر ذات درجة حرارة أقل، وغرفة أخرى باردة نوعاً ما، وأيضاً غرفة باردة لتغيير الملابس. والتدرج في درجة حرارة الغرف طريقة مدروسة كي يتأقلم جسم الشخص تدريجياً مع درجات الحرارة، ولا يتعرض لاختلافات كبيرة بين السخونة والبرودة لدى خروجه من الحمام. وتوجد في آخر الحمام غرفة جلوس صغيرة، مجهّزة على الطريقة التركية أيضاً، يجلس فيها كل شخص لوقت قليل قبل أن يخرج من الحمام كي يرتاح قليلاً ويعتاد جسمه على درجة حرارة مختلفة عن تلك العالية في الحمام". 
ويشير حاتم الرياحي إلى أنّ الحمام حافظ في كل شيء تقليدي وقديم، مثل البلاط والمفارش والزينة، ويتحدث عن أنّ "الحمام في تونس لا يرتبط فقط بمفهوم النظافة والطهارة، بل له أبعاد أخرى اقتصادية واجتماعية. فمن الناحية الاقتصادية بنيت الحمامات القديمة أساساً في المدن العتيقة حيث المحلات التجارية، لذا تنشط التجارة حولها، لا سيما لدى من يبيعون مستلزمات الحمامات من صابون وطين ومفارش وأشياء أخرى يحتاجها كل وافد إلى الحمام. وفي ما يتعلق بالبعد الاجتماعي للحمامات فهي كانت ولا تزال أماكن تلتقي فيه النساء لتبادل الأحاديث والاجتماع. وقديماً كانت هذه الأماكن ذات قيمة أكبر في ظل غياب وسائل الترفيه وأماكن أخرى عمومية. أيضاً شهدت الحمامات نقاشات للرجال في شأن الأمور السياسية، لا سيما في العشرينيات من القرن الماضي". 

الصورة
يحب رواد الحمامات في تونس طابعها المعماري (العربي الجديد)
يحب رواد الحمامات في تونس طابعها المعماري (العربي الجديد)

ويذكر أن الحمامات ترتبط أيضاً بالأفراح في تونس، فهي تشهد توافداً كبيراً خلال حفلات الأعراس أو الختان أو حتى المناسبات الدينية. وتقصد العروس الحمام قبل يوم زفافها، ويكون الحمام جزءاً لا بديل عنه ولا تكتمل حفلات الأعراس إلا به، والأمر مماثل للعريس. كما لا يغيب الحمام عن حفلات الختان. 
ورغم انتشار الحمامات العصرية، لا تزال تلك القديمة صامدة، وتشهد توافد أشخاص من فئات عمرية مختلفة يحبذون هذه الأجواء القديمة، ويحبون الطابع المعماري لتلك الحمامات والطريقة التي بُنيت بها، خصوصاً الحمامات التي لا يزال أصحابها يعتمدون على الحطب لتسخين الماء في الأواني النحاسية الكبيرة منذ أكثر من 100 سنة. 
ولـ"الحمام العربي" فوائد كبيرة، بحسب ما أوضح الطبيب المتخصص في العلاج بالمياه محمد التليلي، في حديث سابق لـ"العربي الجديد"، وقال: "العلاج بالمياه له قدرة فائقة على مساعدة الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية غير عميقة ويريدون التخلّص من التوتر النفسي والإنهاك الجسدي، نظراً لقدرة المياه الحارة خصوصاً على تجديد طاقة الجسم النفسية والبدنية في وقت قياسي".
يضيف: "تراكم الضغوط النفسية قد يتسبب في تداعيات خطرة تطيح بمناعة الجسم، ما يجعل الأشخاص أكثر عرضة لخطر الأمراض الفيروسية أو غيرها، والمياه علاج طبيعي فعّال لمكافحة الأمراض، والبروتوكولات العلاجية المتخصصة في هذا المجال تعطي نتائج إيجابية بنسبة تصل إلى 80 في المائة. الحمامات التقليدية جزء من منظومة العلاج بالمياه، وهو ما يفسر إقامة هذا الصنف من الحمامات على منابع المياه الطبيعية الساخنة منذ القدم".

وتصنّف تونس بين المراكز المهمة للعلاج بالمياه في العالم، وتستفيد من مخزون مياه معدنية يتوزع على كل مناطقها من خلال عيون وينابيع وحفريات يتجاوز عددها الـ100، بينها 30 ذات مياه باردة تقل درجة حرارتها عن 25 درجة مئوية، و65 مياهها ساخنة تصل درجة حرارتها إلى 45 درجة مئوية. وتقع تلك العيون الساخنة في مناطق الشمال والوسط والجنوب، خصوصاً في المناطق الجبلية والصحراوية.

المساهمون