الحرب تهجّر أربعة ملايين أفغاني

02 يونيو 2021
حملوا معهم بعض المتاع في خلال نزوحهم (صفة الله زاهدي/ فرانس برس)
+ الخط -

 

في الثلاثين من مايو/ أيار المنصرم، نظّم عدد كبير من النازحين الأفغان داخلياً تظاهرة أمام مقرّ الحكومة المحلية في إقليم لغمان بشرق أفغانستان، يشكون فيها من عدم اهتمام الحكومة وعدم توصيل مساعدات إليهم، على خلفية المواجهات الأخيرة بين القوات الأفغانية وحركة طالبان في الإقليم . يأتي ذلك على الرغم من تأكيد الحكومة الأفغانية أنّها أوصلت المساعدات الأولية إلى مئات الأسر النازحة بسبب الهجمات التي شنّتها طالبان على ثلاث مديريات فيه، هي دولت شاه وعليشنك وعلينكار.

وفي بيان، أفادت إدارة اللاجئين والنازحين المحلية في إقليم لغمان بأنّ نحو ألفَي أسرة نزحت من منازلها إلى مدينة مهترلام وضواحيها بسبب المعارك الأخيرة وهجمات طالبان على المديريات الثلاث، وبأنّ الحكومتَين المحلية والمركزية، بالتعاون مع المؤسسات المعنية، بدأتا بجمع المعلومات وتوصيل المساعدات الأوليّة للنازحين الذين يعانون بسبب الحرّ الشديد إلى جانب افتقارهم إلى مقوّمات الحياة الأساسية. من جهته، قال رئيس الإدارة المحلية شاكر الله شاكر، في تصريح صحافي، إنّ الأمم المتحدة وعدت الإدارة المحلية بتقديم الدعم والمساعدات لهؤلاء النازحين، والإدارة إلى جانب توزيع المساعدات تعمل على جمع المعلومات وإحصاء النازحين كي تسير عملية توزيع المساعدات عليهم بشكل مناسب ودقيق. 

لكنّ النازحين يشكون من أنّ المساعدات التي وزّعتها وزارة التعامل مع الكوارث لم تصل إلى المحتاجين بشكل دقيق، وأنّ كثيرين من سكان المنطقة المحليين حصلوا على تلك المساعدات بدلاً من الذين تركوا منازلهم بسبب الحرب. ويقول روضت خان، وهو أحد سكان مديرية علينكار، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المشكلة الأساسية هي الفساد في توزيع المساعدات، إذ يحقّ لكلّ زعيم قبلي تسجيل 20 أسرة من قبيلته. وفي الغالب، هم يسجّلون أقاربهم. كذلك فإنّ السكان المحليين دخلوا بين النازحين، والإدارة المعنية بتوزيع المساعدات لم تدقّق في القضية، وبالتالي لم تصل إلى المستحقين".

وقد اشتدت المعارك في مختلف مناطق أفغانستان في خلال الأسابيع الأخيرة، وبحسب وزارة الدفاع الأفغانية فإنّ نحو 100 مديرية أفغانية تشهد مواجهات عسكرية بين قوات الأمن وطالبان، ما أدّى إلى حركة نزوح داخلية كبيرة وسط حرّ شديد في بعض المناطق، تحديداً في الشرق والجنوب.

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

وكانت وزارة شؤون اللاجئين الأفغانية قد أفادت في بيان أصدرته في فبراير/ شباط الماضي بأنّ الأرقام المتوفّرة لديها تؤكد أنّ 76 ألف أسرة نزحت في خلال عام واحد من منازلها بسبب الحرب الدائرة بين القوات الأفغانية وطالبان، وأنّ تلك الأسر في حاجة إلى مساعدات عاجلة. أضاف البيان أنّ الأوضاع هدأت نسبياً في بعض مناطق البلاد، وقد عادت 1173 أسرة إلى منازلها فيها، بعدما قدّمت لها الحكومة مساعدات مالية قدرها عشرة آلاف أفغانية (نحو 130 دولاراً أميركياً) لكلّ أسرة قررت العودة.

ومع أنّ النزوح بسبب الحرب ليس ظاهرة جديدة في أفغانستان، فقد شهدت الأسابيع الأخيرة موجة كبيرة بسبب هجمات طالبان الأخيرة. وكان لإقليم هلمند في الجنوب نصيب كبير، إذ أفادت إدارة النزوح المحلية في الإقليم بأنّ نحو 40 ألف أسرة تركت منازلها ونزحت إلى أقاليم مختلفة، تحديداً إقليم قندهار الذي يشهد بدوره موجة نزوح بسبب هجوم طالبان على مديريات مختلفة فيه، خصوصاً مديرية أرغنداب.

الصورة
نازحون في خيم في أفغانستان (نور الله شيرزاده/ فرانس برس)
(نور الله شيرزاده/ فرانس برس)

ويشكو النازحون بمعظمهم من أنّ المساعدات الأولية لم توزَّع عليهم. فيقول سيد منصور وهو أحد النازحين من منطقة جاه أب في إقليم هلمند ويعيش اليوم لدى أقارب له في مدينة قندهار، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحرب كانت قاسية جداً، والقصف بالطائرات على طالبان كان شديداً، فيما الألغام كانت مزروعة في الطرقات، بالتالي تمكّنا بشقّ الأنفاس من الخروج من منازلنا حاملين فقط ملابسنا وبعض الاحتياجات الأولية". ويلفت إلى أنّ "النازحين كانوا يتوقعون أن تصلهم المساعدات، لكنّ الأمر لم يحصل بعد حتى الآن".

ولا يعاني هؤلاء النازحون فقط من نقص في احتياجاتهم ومن مشقات النزوح والحرّ الشديد، بل كذلك من سوء تعامل أطراف الحرب معهم. ويقول هاشم، وهو أحد النازحين في إقليم بغلان في الشمال، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المعضلة الأساسية هي في أنّ طالبان تشنّ هجوماً وتستولي على مناطق عدّة ثمّ تتّخذ منازل الناس فيها ثكنات عسكرية لها. حينها، يستهدف سلاح الجو الأفغاني تلك المنازل ويلحق الضرر بالمواطنين. كذلك، فإنّ القوات الأجنبية تستهدف منازل السكان بالأسلحة الثقيلة عشوائياً، والمواطن العادي يدفع الثمن في كلّ الأحوال".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وبحسب إحصائية أخيرة، أدّت أعمال العنف الأخيرة في إقليم بغلان إلى نزوح 15 ألف أسرة، قصدت بمعظمها مدينة بوليخمري مركز الإقليم، وحتى اليوم لم تصل إليها المساعدات الإنسانية الكافية. وفي بداية مايو المنصرم، أكد وزير شؤون اللاجئين نور رحمن أخلاقي أنّ الحرب في أفغانستان أدّت إلى نزوح أكثر من أربعة ملايين شخص من منازلهم، من دون أن يحدد فترة نزوحهم، مشيراً إلى أنّ الحكومة الأفغانية بالتنسيق مع الإدارات والمؤسسات المعنية بشؤون اللاجئين والنازحين تعمل من أجل إيصال المساعدات إلى هؤلاء. وقد صرّح أخلاقي، في خلال زيارة تفقدية لأحوال النازحين داخلياً في إقليم بلخ شمالي البلاد، أنّ "الحرب مأساة ولا تأتي بالخير، إذ إنّ المواطنين العزّل يتركون منازلهم بشكل يومي، بسبب حرب لا طائل منها".

المساهمون